فائدة: أما السلسلة التي أشرنا إليها عن الإمام الثعالبي فإن شيخنا الإمام ابن ناصر - رضي الله عنه - يحدث بها عن شيخه الفقيه الصالح سيدي علي ابن يوسف الدرعي عن شيخه سيدي عبد الرحمن بن محمد من بني مهرة عن سيدي محمد بن محمد بن ناصر من أهل الرقيبة عن سيدي عبد الكبير وهو جد سيدي عبد الرحمن المذكور عن القطب الكبير سيدي عبد الرحمن الثعالبي أنه قال رضي الله عنه: من رآني إلى سبعة ضمنت له الجنة، وفي سلسلة كل واحد يقول لصاحبه: أشهد أني رأيتك، وأني رأيت والحمد لله الإمام ابن ناصر وأشهدته على ذلك، حققه الله لنا وللإخوان آمين.
واعلم أن مثل هذا يذكر على طريق الرجاء كما أشرنا إليه، وهو أمر جائز لا يمنعه عقل ولا شرع، وذلك أن فضل الله عظيم لا يحد بمقياس وأولياء الله تعالى أبواب يخرج منها هذا الفضل، ولهم مكانة عند ربهم الكريم المتفضل، فأي شيء يستبعد في أن يعطي بعضهم الشفاعة في قرنه أو أكثر، أو أن من مسه لم تمسه النار كما في قصة ابن حسون، أو أن من رآه دخل الجنة، أو أن من رأى من رآه، إلى سبعة أو أكثر، هذا كله قريب.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في خبره عن أويس القرني - رضي الله عنه - أنه يشفع في مثل أو عدد ربيعة ومضر.
وحدثني الثقة أن نفراً من أصحاب ابن مبارك التستاوتي دخلوا على سيدي محمد الشرقي فقال لهم: أيها الفقراء، ما الذي قال ابن مبارك؟ فقالوا له: قد قال: أهل زماني محسوبون عليّ أو في ذمتي أو نحو ذلك، فقال سيدي محمد الشرقي: اشهدوا علينا إنا من أهل زمان ابن مبارك، فانظر إلى هذا الإنصاف وهذا التسليم، فكذا يجب التسليم لمن وقع منه شيء من هذا من أهل الصلاح والدين، ويظن به الخير ويحصل الرجاء ولا يوجب ذلك أمناً من مكر الله والاستغناء عما يجب تعلمه أو العمل به، بل التكليف باق بحاله، والخوف والرجاء بحالهما.
وقد شاع عند هذه الطائفة الغازية أن الشيخ قد أخذ من الله تعالى عهداً أن لا يسوق إليه إلا المقبول، ولم يوجب لهم ذلك أماناً ولا غروراً إلا أن يشذ جاهل فلا التفات إليه.
وأما الهدية من الأخ في الله فهي مباحة في الجملة، بل هي محسوبة في الفقه من وجوه الحلال، فإن عرض عارض في المعطى أو في وجه الإعطاء فالآخذ أعرف بما يأتي وما يذر.
ثم أحوال الصوفية في قبول الفتوح مختلفة تبعاً لما اقتضته الواردات، والتحفظ عن الآفات. وهي في كل من الأخذ والترك كما قال الأستاذ السري للإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنهما: احذر آفة الرد كما تحذر آفة الأخذ، وكل من عرف بصحة العلم والعمل ومتانة الديانة كشيخنا المذكور فأمره موكول إلى دينه، ولا سبيل إلى الانتقاد عليه، والله الموفق.
لله الأمر من قبل وبعد
[العدوى والطيرة]
كنت ذات مرة اشتريت رمكة من رجل صحراوي أسود شديد السواد، فظهر فيها عيب وتعذر إثبات قدمه لترد، فأدى الأمر إلى موتها منه وتلف الثمن، فأقبل رجل من قومي والمشترى منه عندي ونحن نتكلم في المسألة، فلما بصر بالمشترى منه قال: سبحان الله؟ كنت أعجب من أين جاء هذا الخسران؟ فإذا أنت تعامل الغِرْبان، ألم تعلم أنا لا نعامل مثل هذا حتى إنا لا نزجر الكلب الأسود عنا إذا مرّ بنا لئلا يقع خطاب منا أليه فكيف بغيره؟ وجعل يتأسف من خسران الثمن ومن معاملة ذلك الشخص، وجعلت أنا أضحك من عظمة الدنيا في عينيه ومن تحكيمه الأمور العادية، وكان قومنا - كما قال - يفرون من السواد فلا يلبسون ثوباً أسود ولا يركبون فرساً أدهم وهكذا.