للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن دين الحبّ فرض ... لا ترى فيه ارتيابا

فقال الشيخ لخصمه: والله لقد قرأها كما أنزلت، فقال خصمه: والله يا سيدي ما تعلمها إلاّ البارحة.

ويشبه هذا ما ذكر أن رجلاً سمع رجلاً ينشد:

فلا تقبل لغانية يمينا ... ولو حلفت برب العالمينا

فقال: أشكل علي موضعها في) إنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (.

وذكر أن أعرابياً تقدم إلى القاضي سوار في أمر فلم يجد عنده ما يحب، فاجتهد فلم يظفر بحاجته، قال: فقال الأعرابي وفي يده عصا:

رأيت رؤيا ثمَّ عبرتها ... وكنت للأحلام عبارا

بأنني أخبط في ليلتي ... كلباً فكان الكلب سوارا

ثم انحنى على سوار بالعصا حتى منع منه قال: فما عاقبة سوار.

ويروى أن ضيفاً نزل بالحطيئة وهو يرعى غنماً له وفي يده عصا فقال له الضيف: يا راعي الغنم، فأومأ الحطيئة بعصاه وقال: عجراء من سلم، فقال الرجل: إني ضيف فقال: للضيفان أعددتها.

وروي أن ناسكاً من بني الهجيم بن عمرو بن تميم كان يقول في قصصه: اللهم اغفر للعرب خاصة، وللموالي عامة، فأما العجم فهم عبيدك، والأمر إليك.

ونظر يزيد بن مَزْيد الشيباني إلى رجل ذي لحية عظيمة وقد تلففت على صدره، وإذا هو خاضب فقال: إنك من لحيتك في مئونة فقال: أجل، ولذلك أقول:

لها درهم للدهن في كلّ جمعة ... وآخر للحناء يبتدران

ولولا نوال من يريد بن مزيد ... لصوَّت في حافاتها الجَلّمان

ونظر أعرابي إلى رجل جيد الكِدْنة أي الشحم يعني سميناً فقال: يا هذا، إني لأرى عليك قطيفة محكمة من نسج أضراسك.

ويروى أن جارية لهمام بن مرة بن ذهل بن شيبان قالت له يوماً:

أهمام بن مرة حنّ قلبي ... إلى اللائي يكن مع الرجال

فقال: يا فَساقِ، أردت صفيحة ماضية فقالت:

أهمام بن مرّة حنّ قلبي ... إلى صلعاء مشرفة القذال

فقال: يا فَجارِ، أردت بيضة حضينة فقالت:

أهمّام بن مرّة حنّ قلبي ... إلى أير أسد به مبالي

وكان بشار يقول: لم تقل امرأة شعر قط إلاّ تبين فيه الضعف، فقيل له: أو كذلك الخنساء؟ قال: تلك كان لها أربع خُصىً.

وقال المبرد: حدّثني شيخ من الأزد عن رجل منهم أنه كان يطوف بالبيت وهو يدعو لأبيه فقيل له: ألا تدعو لأمك فقال: إنها تميمية. وسُمع رجل يطوف بالبيت وهو يدعو لأمه ولا يذكر أباه، فعوتب فقال: هذه ضعيفة وأبي يحتال لنفسه.

وقال بعض المحدثين:

ولا أكتم الأسرار لكن أنمها ... ولا أترك الأسرار تغلي على قلبي

وإن أحق الناس بالسخف لامرؤ ... تقلبه الأسرار جنباً إلى جنب

وقال الآخر:

وأمنع جارتي من كلّ خير ... وأمشي بالنميمة بين صحبي "

ورأى طفيلي رجلاً اشترى سمكاً كثيراً مطبوخاً، وحمله على رأس أمه له إلى داره، فتبعه، فلما رأى الرجل الطفيلي بادر فأدخل الأمة ودخل وأغلق الباب، فتسور الطفيلي فأشرف عليهم، فقال له الرجل: أما تتقي الله تطلع على محارم الناس؟ فقال:) لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا في بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإنّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (فضحك الرجل وقال له: انزل إلى الباب يفتح لك، فنزل، فعمد الرجل إلى كبار السمك فجعلها في زاوية البيت وترك الصغار، فلما دخل الطفيلي ورآها علم القصة، فأجال بصره في البيت فرأى الإناء في زاوية البيت مغطى، فعلم أن حاجته فيه، فجعل يأخذ من تلك الصغار السمكة فيقطع رأسها " بعنف " ويقربه من أذنه ويصغي إليه ثم يطرحه، فقال له الرجل: ما هذا الذي تصنع؟ فقال له: اعلم أن أبي كان يسافر في البحر، فغرق وأكلته الحيتان، فقلت: اليوم أدرك ثأري، فإذا بهذه الحيتان تقول لي: إنا عند غرق أبيك لم نكن خلقنا بعد، وإن التي أكلت لحم أبيك في الإناء الذي في زاوية البيت، فضحك الرجل واستظرفه، وآتاه بالإناء الذي فيه الكبار، فأكل حتى قضى حاجته.

" وأتى طفيلي وليمة فاقتحم وأخذ مجلسه مع الناس، فأنكر عليه صاحب الدار وقال: لو صبرت حتى يؤذن لك لكان أحسن لأدبك فقال: إنما اتخذت البيوت ليدخل فيها، والموائد ليؤكل عليها، والشحنة قطيعة، وإطراحها صلة، وجاء في الآثار: صل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك، ثم اجمع فيها خلالاً، أحصل مجالساً، وآكل موانساً، وأبسط رب الدار وإن كان عابساً، وأنشد:

<<  <   >  >>