هذا لص طرد إبلاً فتوخى أي قصد بها مجرى سهيل، وهو اليمن، وترك الشام وأعلامه أي جباله خلفه تطول وتقصر في السراب فلما رأى أن النطاف أي المياه تعذرت في طريقه رأى أن ذا الكلبين أي سيفه، والكلبان مسماران في قائمه، لا يتعذر فينحر ويفتظ الكرش فيشرب ما فيه: وقول الآخر:
إنا وجدنا طرَدَ الهوامل ... خيراً من التأنان والمسائل
وعِدّةِ العام وعام قابل ... ملقوحة في بطن ناب حامل
يقول: إن سرقة الإبل الهوامل " أي " التي لا راعي معها خير لنا من الأنين والتشكي وسؤال الناس، فهذا يردنا، وهذا بالعطاء في العام أو القابل جنيناً في بطن أمه.
وقول الآخر:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذا عوى ... وصَوَّتَ إنسان فكدت أطير
درى الله إني للأنيس لمبغض ... ويقليه مني شاهد وضمير
وإني لأستحيي من الله أن أرى ... أطوف بحبل ليس فيه بعير
وأن أسأل المرء اللئيم بعيره ... وبُعرانُ ربي في البلاد كثير
هذا لص يستوحش من الناس لئلاّ يقبض، ثم زعم أنه يستحيي أن يأتي بحبل يسأل من يعطيه بعيراً فيربطه به، وأن يسأل البخلاء وإبل الله كثيرة يسرقها.
وقول الآخر:
أيا بارح الجوزاء مالك لا ترى ... عيالك قد أمسوا مراميل جوعاً
البارح الريح الشديدة تهبّ في القيظ، فهو يطلبها فإذا سرق الإبل عفت أثره فلا يدرك، وجعل عياله عيالاً للريح لأنه يعولها به.
ومثله قول الآخر:
جزى الجوزاء عنّا الله خيراً ... فقد أغنت عن الحبل الجذيم
أي أغنتنا بريحها فنأخذ ما شئنا ولا ندرك ولم نحتج إلى حبل جذيم أي مقطوع نأتي به صاحباً يعطينا فيه بعيراً.
وقول الآخر:
ألا يا جارتا بأُباضَ إنّي ... رأيت الريح خيراً منك جارا
تغذينا إذا هبّت علينا ... وتملأ وجه ناظركم غبارا
أُباض كغراب قرية باليمامة ويقال: لم يرَ أطول من نخيلها فيقول هذا اللص لجاريته بها: إن الريح خير منكما، وذلك أنه يسرق التمر فإذا هبت الريح أسقطته له، وأعمت أربابه، فلا يرونه حتى يقضي منه أربه.
وقول الآخر:
خليليّ لا تستعجلا وتبينا ... بوادي حَبَوْني هل لهن زوال
ولا تيأسا من رحمة الله وادعوا ... بوادي حَبَوْنى أن تهب شَمال
أي فتعفي الأثر وتعمي عيون الرعاة فيأخذوا حاجتهم.
وفي " الأيام والليالي " قول الآخر:
مطايا يقربن البعيد وإن نأى ... وينقلن أشلاء الكريم إلى القبر
" وقبله:
سرينا وأدلجنا وصارت ركابنا ... تمرّ بنا في غير برّ ولا بحر
وما هي إلاّ ليلة ثمَّ يومها ... وحول إلى حول وشهر إلى شهر
ويُنكحْنَ أزواج الغَيورِ عدوه ... ويقسمن ما يحوي الشحيح من الوفر "
وقول الآخر:
سبع رواحل ما ينخن من الوَجَى ... شوم تشاف بسبعة زهر
متواصلات لا الدءُوبُ يملها ... باقٍ تعاقبها مدى الدهر
سبع أي ليال، شوم أي سود، وسبعة زهر أي أيام.
وفي التعبير على أخذ الدية وترك القيام بالثأر قول الآخر:
غدا ورداؤه لَهِقٌ حُجير ... ورحت أجر ثَوْبيْ أرجوان
كلانا اختار فانظر كيف تبقى ... أحاديث الرجال على الزمان
أي غدا حجير يعني أخاه، ورداؤه لهق أي أبيض لم يقتل قاتليه، ورحت أنا بثوب أرجوان أي أحمر لقيامي بالثأر.
وقول الآخر:
إذا صب ما في الوطب فاعلم بأنه ... دم الشيخ فاشرب من دم الشيخ أو دعا
أي إذا تركت ثأرك في أبيك وأخذت الإبل فمتى صببت لبناً من الشكوة فهو دم أبيك تشربه.
وقول الآخر:
عقوا بسهم فلم يشعر به أحد ... ثم استفاءوا وقالوا حبّذا الوَضَحُ
الوضَحُ اللبنَ وعقوا رموا بسهم يقال له العقيقة، وكانوا إذا كان لهم ثأر وجنحوا إلى الصلح يأخذون سهماً فيقولون: بيننا وبين إلهنا علامة، وهي أن نرمي هذا السهم، فإن رجع مضرّجاً بالدم فهو يأمرنا " بالقيام بالثأر، وإن رجع نقياً فهو يأمرنا " بأخذ الدية، ثم يرمون به إلى السماء، ولا يرجع أبداً إلاّ نقيّاً فعيرهم الشاعر بفعل ذلك.
وفي ضد ذلك قول الآخر:
يطأ الطريق بيوتَهم بعياله ... والنار تحجب والوجوه تذال
لا يشربون دماءهم بأكفهم ... إن الدماء الغاليات تكال