للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن الماتريدية في إثباتها للأسماء لم يفرقوا بين باب الإخبار عن الله تعالى، وباب التسمية، فأدخلوا في أسمائه تعالى ما ليس من أسمائه كالصانع، والقديم، والذات، والشيء، ونحو ذلك.

فقال في إثبات جواز إطلاق لفظ (الشيء) على الله، وأنه من أسمائه مستدلا على ذلك بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: (١١) وقوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: (١٩)]: "وبعد، فإن القول بهذا كله واجب بما ثبت في السمع التسمية به" (١).

وأما بالنسبة لإثباتهم لمدلولات الأسماء، فهم إما أن يجعلوا مدلول الاسم هو الذات، وهذا في اسم (الله) فقط، وإما أن يكون المدلول مأخوذا عندهم باعتبار ما أثبتوه من الصفات، كاسم السميع والبصير والعليم، وإما أن يردوه إلى الصفات السلبية والإضافية.

فالاسم عندهم إن دل على ما أثبتوه من الصفات، أثبتوه على حقيقته وإن خالف صرفوه عن حقيقته بالتأويل؛ وذلك لاعتقادهم أن ما دل عليه الاسم من المعاني والحقائق يعارض الدليل العقلي.

قال ابن الهمام: "ثم إنه تعالى سميع بسمع، وبصير بصفة تسمى بصرا، وكذا عليم بعلم، وقدير بقدرة، ومريد بإرادة لأنه تعالى أطلق على نفسه هذه الأسماء بخطابٍ لمن هو من أهل اللغة، والمفهوم في اللغة من عليم ذات له علم، بل يستحيل عندهم عليم بلا علم كاستحالته بلا معلوم، فلا يجوز صرفه عنه إلا لقاطع عقلي يوجب نفيه" (٢).

وقال البياضي: "إن مفهوم الاسم قد يكون نفس الذات والحقيقة وهو اسم الجلالة فقط، وقد يكون مأخوذا باعتبار الصفات والأفعال والسلوب والإضافات، ولا خفاء في تكثر أسمائه تعالى بهذا الاعتبار" (٣).

وأما بالنسبة لبقية الأسماء، فإن الماتريدية تقر بأن لها معاني مأخوذة باعتبار الصفات، أي أنها تدل على الصفات كما تدل على الذات، إلا أنهم في الأسماء التي مدلولاتها لا تتفق مع ما اعتقدوه في باب الصفات، لا يثبتون ما دلت عليه من المعاني والحقائق على الوجه الصحيح؛ بل يؤولونها بما يتفق مع اعتقادهم في الصفات.


(١) التوحيد: ٤٢، ٩٤.
(٢) المسايرة: ٦٨، ٦٩.
(٣) إشارات المرام: ١١٤، وانظر: التوحيد: ٦٥، ٦٦، ٦٩، .

<<  <   >  >>