للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو المعين النسفي: "ثم الاستطاعة والطاقة والقدرة والقوة إذا أضيفت إلى العبد يراد بها كلها معنى واحد في مصطلح أهل الأصول.

ثم الاستطاعة عندنا قسمان:

أحدهما: سلامة الأسباب والآلات وصحة الجوارح والأعضاء وهي المعنية بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧]، وبقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤]، وبقوله تعالى خبرا عن أهل النفاق: {لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: ٤٢] أي لو كانت لنا الآلات والأسباب. وصحة التكليف تعتمد هذه الاستطاعة.

والثانية: الاستطاعة التي هي حقيقة القدرة التي يتهيأ بها الفعل وهي المعنية بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} [هود: ٢٠]. ألا ترى أن الله تعالى قد ذمهم بذلك، والذم إنما يلحقهم بانعدام حقيقة القدرة عند وجود سلامة الأسباب وصحة الآلات، لا بانعدام سلامة الأسباب وصحة الآلات؛ لأن انتفاء تلك الاستطاعة لا يكون بتضييعه بل هو في ذلك مجبور فلم يلحقهم الذم بالامتناع عن الفعل عند انتفائها، وكذا هي المعنية بقول صاحب موسى عليهما السلام: {قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: ٦٧]، وقوله: {قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا} [الكهف: ٧٥] إذ لو كان المراد بها سلامة الأسباب والآلات لما عاتبه على ترك الصبر.

والاستطاعة الثانية عرض تحدث عندنا مقارنة للفعل ... " (١).

وقول جمهور الماتريدية في الاستطاعة هو قول أهل السنة والجماعة (٢)، وهو القول الحق الذي دلت عليه الأدلة.


(١) التمهيد: ٥٣ - ٥٤. وانظر: تبصر الأدلة: ل ٣٣١، والنور اللامع: ل ١١٣.
(٢) شرح الطحاوية: ٤٩٩، وانظر: الدرء: ١/ ٦٠ - ٦٢، الفتاوى: ٨/ ١٢٩، ٢٩٠ - ٣٠٢، القضاء والقدر للمحمود: ٢١٢ - ٢١٤.

<<  <   >  >>