للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمقصود بالاستثناء في الإيمان تعليق الإيمان بالمشيئة، وهو قول المؤمن أنا مؤمن إن شاء الله. والخلاف في هذه المسألة وقع تبعا للخلاف في حقيقة الإيمان، وحاصل الأقوال التي قيلت في الاستثناء ثلاثة أقوال:

أولًا: تحريم الاستثناء إن كان الاستثناء صادرًا عن شك في وجود أصل الإيمان، فهذا محرَّم، بل كفر؛ لأن الإيمان جزم، والشك ينافيه. ومأخذ هذا القول: أن الإيمان شيء واحد يعلمه الإنسان من نفسه، فإن استثنى منه كان دليلًا على شكه؛ ولذلك كانوا يسمون الذين يستثنون في الإيمان شُكَّاكًا.

ثانيًا: وجوب الاستثناء: إن كان الاستثناء صادرًا عن خوف تزكية النفس والشهادة لها بتحقيق الإيمان قولًا وعملًا واعتقادًا، فهذا واجب؛ خوفًا من هذا المحظور.

وكذلك فإن الإيمان هو ما مات الإنسان عليه؛ فالإنسان إنما يكون مؤمنًا أو كافرًا حسب الوفاة، وهذا شيء مستقبل غير معلوم؛ فلا يجوز الجزم به.

ثالثًا: التفصيل:

- فإن كان الاستثناء صادرًا عن شك في وجود أصل الإيمان، فهذا محرم، بل كفر؛ لأن الإيمان جزم، والشك ينافيه.

- وإن كان صادرًا عن خوف تزكية النفس والشهادة لها بتحقق الإيمان قولًا وعملًا واعتقادًا، أو أن الإيمان هو ما مات الإنسان عليه؛ فالإنسان إنما يكون مؤمنًا أو كافرًا حسب الوفاة، وهذا شيء مستقبل غير معلوم؛ فلا يجوز الجزم به فهذا واجب.

- إن كان المقصود من الاستثناء التبرك بذكر المشيئة أو بيان التعليل، وأن ما قام بقلبه من الإيمان بمشيئة الله، فهذا جائز، والتعليق على هذا الوجه - أعني بيان التعليل - لا ينافي تحقيق المعلق، فإنه قد ورد التعليق على هذا الوجه في الأمور المحققة؛ كقوله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} [الفتح: ٢٧]. وكذلك الدعاء في زيارة القبور: (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) (١) " (٢).


(١) صحيح مسلم (٢٤٩).
(٢) انظر: المناهي اللفظية لابن عثيمين: ١٢٥، رسالة فتح رب البرية بتلخيص الحموية: ١١٧.

<<  <   >  >>