للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بِالْمُدّثّرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مُلَاطَفَةٌ وَتَأْنِيسٌ، وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ إذَا قَصَدَتْ الْمُلَاطَفَةَ أَنْ تُسَمّيَ الْمُخَاطَبَ بِاسْمِ مُشْتَقّ مِنْ الْحَالَةِ الّتِي هُوَ فِيهَا، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ لِحُذَيْفَةَ: قُمْ يَا نَوْمَانُ، وَقَوْلِهِ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- وَقَدْ تَرِبَ جَنْبُهُ: قُمْ أَبَا تُرَابٍ «١» فَلَوْ نَادَاهُ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالِ مِنْ الْكَرْبِ بِاسْمِهِ، أَوْ بِالْأَمْرِ الْمُجَرّدِ مِنْ هَذِهِ الْمُلَاطَفَةِ لهاله ذلك، ولكن لما بدىء، بيا أَيّهَا الْمُدّثّرُ أَنِسَ، وَعَلِمَ أَنّ رَبّهُ رَاضٍ عنه، ألا تراه كيف قال عند ما لقى من أهل الطائف من شدة البلاه وَالْكَرْبِ مَا لَقِيَ: رَبّ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك غَضَبٌ عَلَيّ فَلَا أُبَالِي «٢» إلَى آخِرِ الدّعَاءِ، فَكَانَ مَطْلُوبُهُ رِضَا رَبّهِ، وَبِهِ كَانَتْ تَهُونُ عَلَيْهِ الشّدَائِدُ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَنْتَظِمُ يَا أَيّهَا الْمُدّثّرُ مَعَ قَوْلِهِ: قُمْ فَأَنْذِرْ، وَمَا الرّابِطُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ، حَتّى يَلْتَئِمَا فِي قانون البلاغة، ويتشا كلا فِي حُكْمِ الْفَصَاحَةِ؟ قُلْنَا: مِنْ صِفَتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ حِينَ قَالَ: أَنَا النّذِيرُ الْعُرْيَانُ، وَهُوَ مَثَلٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ العرب، يقال لمن أنذر بقرب


- فقال بعضهم: ساحر. وقال بعضهم: ليس بساحر، وقال بعضهم: كاهن، وقال بعضهم: ليس بكاهن، وقال بعضهم: شاعر، وقال بعضهم: ليس بشاعر، وقال بعضهم: بل سحر يؤثر، فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر، فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحزن، وقنع رأسه، وتدثر، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ، وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) وأخرجه البزار بنحوه عن جابر.
(١) كان على رضى الله عنه قد غاضب فاطمة، فلما جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ منزل فاطمة، وعلم بهذا، أرسل من يبحث عنه، فجاء، فأخبره أنه فى المسجد، فجاءه رسول الله «ص» وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب. فجعل رسول الله «ص» يمسحه عنه، ويقول: قم أبا التراب، قم أبا التراب.. مختصر من حديث رواه الشيخان.
(٢) من حديث رواه الطبرانى فى الكبير عن عبد الله بن جعفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>