للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْعَدُوّ، وَبَالَغَ فِي الْإِنْذَارِ، وَهُوَ النّذِيرُ الْعُرْيَانُ «١» ، وَذَلِكَ أَنّ النّذِيرَ الْجَادّ يُجَرّدُ ثَوْبَهُ، وَيُشِيرُ بِهِ إذَا خَافَ أَنْ يَسْبِقَ الْعَدُوّ صَوْتَهُ، وَقَدْ قِيلَ: إنّ أَصْلَ الْمَثَلِ لِرَجُلِ مِنْ خَثْعَمَ سَلَبَهُ الْعَدُوّ ثَوْبَهُ، وَقَطَعُوا يَدَهُ، فَانْطَلَقَ إلَى قَوْمِهِ نَذِيرًا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ: أَنَا النّذِيرُ الْعُرْيَان أَيْ: مَثَلِي مِثْلُ ذَلِكَ، وَالتّدَثّرُ بِالثّيَابِ مُضَادّ لِلتّعَرّي، فَكَانَ فى قوله: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) مَعَ قَوْلِهِ:

(قُمْ فَأَنْذِرْ) وَالنّذِيرُ الْجَادّ يُسَمّى: الْعُرْيَانُ: تَشَاكُلٌ بَيّنٌ، وَالْتِئَامٌ بَدِيعٌ وَسَمَاقَةٌ فِي الْمَعْنَى، وَجَزَالَةٌ فِي اللّفْظِ.

تَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفِعْلِ:

وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) أَيْ: رَبّك كَبّرْ، لَا غَيْرَهُ لَا يَكْبُرُ عَلَيْك شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الْخَلْقِ، وَفِي تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَى فِعْلِ الْأَمْرِ إخْلَاصٌ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: إيّاك نعبد [وإياك نستعين] أَيْ: لَا نَعْبُدُ غَيْرَك [وَلَا نَسْتَعِينُ إلّا بِك] «٢» ، وَلَمْ يَقُلْ: نَعْبُدُك وَنَسْتَعِينُك، وَفِي الْحَدِيثِ: إذَا قَالَ الْعَبْدُ: إِيّاكَ نَعْبُدُ، وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَخْلَصَ لِي عَبْدِي الْعِبَادَةَ، واستعاننى عليها، فهذه بينى وبين عبدى «٣» .


(١) روى الصحيحان قول النبى «ص» : «إنما مثلى، ومثل ما بعثنى الله كمثل رجل أتى قومه، فقال: يا قوم: إنى رأيت الجيش بعينى، وإنى أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعته طائفة من قومه، فأدلجوا، وانطلقوا على مهلهم، فنجوا، وكذبته طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش، فأهلكهم، واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعنى، واتبع ما جئت به، ومثل من عصانى، وكذب ما جئت به من الحق» وانظر مجمع الأمثال
(٢) الزيادة يقتضيها سياق الكلام.
(٣) فى رواية مسلم: «وإذا قال: إياك نعبد، وإياك نستعين، قال: هذا بينى وبين عبدى، ولعبدى ما سأل»

<<  <  ج: ص:  >  >>