للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَهِيَ نَفْسُهُ، فَأَمّا إذَا دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِنَفْسِ أُخْرَى، فَلَا رُخْصَةَ، وَاخْتُلِفَ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الزّنَى، فَذُكِرَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنّهُ قَالَ: لَا رُخْصَةَ فِيهِ؛ لِأَنّهُ لَا يَنْتَشِرُ لَهُ إلّا عَنْ إرَادَةٍ فِي الْقَلْبِ أَوْ شَهْوَةٍ، وَأَفْعَالُ الْقَلْبِ لَا تُبَاحُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ يُرَخّصُ فِي ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ الْقَتْلَ، لِأَنّ انْبِعَاثَ الشّهْوَةِ عِنْدَ الْمُمَاسّةِ بِمَنْزِلَةِ انْبِعَاثِ اللّعَابِ عِنْدَ مَضْغِ الطّعَامِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَكْلُ الْحَرَامِ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ.

فَصْلٌ: واختلف الأصوليون فى مسئلة مِنْ الْإِكْرَاهِ، وَهِيَ: هَلْ الْمُكْرَهُ عَلَى الْفِعْلِ مُخَاطَبٌ بِالْفِعْلِ، أَمْ لَا؟ فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا يَصِحّ الْأَمْرُ بِالْفِعْلِ مَعَ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ الْأَشْعَرِيّةُ: ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنّ الْعَزْمَ إنّمَا هُوَ فِعْلُ الْقَلْبِ، وَقَدْ يُتَصَوّرُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْحِينِ الْعَزْمُ وَالنّيّةُ، وَهِيَ الْقَصْدُ إلَى امْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنّهُ يَفْعَلُهُ خَوْفًا مِنْ النّاسِ، وَذَلِكَ إذَا أُكْرِهَ عَلَى فَرْضٍ كَالصّلَاةِ مَثَلًا، إذَا قِيلَ:

صَلّ وَإِلّا قُتِلْت، وَأَمّا إذَا قِيلَ لَهُ: إنْ صَلّيْت قُتِلْت، فَظَنّ الْقَاضِي أَنّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا، وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي ذَلِكَ، وَغَلّطَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، وقالوا: لا خلاف فى هذه المسئلة أَنّهُ مُخَاطَبٌ بِالصّلَاةِ مَأْمُورٌ بِهَا، وَإِنْ رُخّصَ لَهُ فِي تَرْكِهَا، فَلَيْسَ التّرْخِيصُ مِمّا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ الْخِطَابِ، وَإِنّمَا يَرْفَعُ عَنْهُ الْإِكْرَاهُ الْمَأْثَمَ، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُخَاطَبًا بِهَا، وَهَذَا الْغَلَطُ الْمَنْسُوبُ إلَى الْقَاضِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِقَوْلِ لَهُ، وَإِنّمَا حَكَاهُ فِي كِتَابِ التّقْرِيبِ وَالْإِرْشَادِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ. قَالُوا: لَا يُتَصَوّرُ الْقَصْدُ وَالْإِرَادَةُ لِلْفِعْلِ مَعَ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي:

وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنّهُ يُتَصَوّرُ انْكِفَافُهُ عَنْهُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، فَكَذَلِكَ يُتَصَوّرُ مِنْهُ الْقَصْدُ إلَى الِامْتِثَالِ لَهُ، وَبِهِ يَتَعَلّقُ التّكْلِيفُ، فَإِنّمَا غَلِطَ مَنْ نَسَبَ إلَيْهِ من الأصوليين

<<  <  ج: ص:  >  >>