للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْمُكْرَهُ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ:

فَصْلٌ: وَذَكَرَ تَعْذِيبَ مَنْ أَسْلَمَ وَطَرْحَهُمْ فِي الرّمْضَاءِ، وَكَانُوا يُلْبِسُونَهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ، حَتّى أَعْطَوْهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا سَأَلُوا مِنْ كَلِمَةِ الْكُفْرِ إلّا بِلَالًا- رَحِمَهُ اللهُ- وَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَنَزَلَ فِي عَمّارٍ وَأَبِيهِ: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً «١» وَلَمّا كَانَ الْإِيمَانُ أَصْلُهُ فِي الْقَلْبِ، رَخّصَ لِلْمُؤْمِنِ فِي حَالِ الْإِكْرَاهِ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ حَتّى يَأْمَنَ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا مِنْ كَلِمَةٍ تَدْفَعُ عَنّي سَوْطَيْنِ إلّا قُلْتهَا هَذَا فِي الْقَوْلِ، فَأَمّا الْفِعْلُ، فَتَنْقَسِمُ فِيهِ الْحَالُ: فَمِنْهُ مَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ، إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْقَتْلَ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ إلّا مَا دُونَ الْقَتْلِ، فَالصّبْرُ لَهُ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فِي ذَلِكَ إلّا كَسَجْنِ يَوْمٍ، أَوْ طَرَفٍ مِنْ الْهَوَانِ خَفِيفٍ، فَلَا تَحِلّ لَهُ الْمَعْصِيَةُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَأَمّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْقَتْلِ، فَلَا خِلَافَ فِي حَظْرِهِ؛ لِأَنّهُ إنّمَا رَخّصَ لَهُ فِيمَا دُونَ الْقَتْلِ، لِيَدْفَعَ بذلك قتل نفس مؤمنة،


(١) روى العوفى عن ابن عباس أن الاية: «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ» نزلت فى حق عمار ابن ياسر، وهكذا قال الشعبى وقتادة وأبو مالك وابن جرير، ورواه البيهقى، وفيه أنه سب النبى «ص» وذكر آلهتهم بخير، فشكا ذلك إلى النبى، فقال: يا رسول الله ما تركت حتى سببتك، وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنا بالإيمان، فقال: إن عادوا فعد. أما الأخرى فلم يذكر لها سبب. وروى قصة تعذيب بلال أحمد فى مسنده، وروى ابن أبى شيبة أن أبا بكر اشتراه بخمس أواق وهو مدفون، كما روى الطبرانى أن عامر بن فهيرة كان ممن يعذب فى الله، فاشتراه أبو بكر وأعتقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>