للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَأَخَذُوهُ، وَرَفَعُوهُ إلَى السّفِينَةِ، فَأَضْمَرَهَا عَمْرٌو فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يُبْدِهَا لِعُمَارَةَ، بَلْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ- فِيمَا ذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ- قَبّلِي ابْنَ عَمّك عُمَارَةَ لِتَطِيبَ بِذَلِكَ نَفْسُهُ، فَلَمّا أَتَيَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ مَكَرَ بِهِ عَمْرٌو، وَقَالَ: إنّي قَدْ كتبت إلى بنى سهم ليبرؤا مِنْ دَمِي لَك، فَاكْتُبْ أَنْتَ لِبَنِي مَخْزُومٍ ليبرؤا مِنْ دَمِك لِي، حَتّى تَعْلَمَ قُرَيْشٌ أَنّا قَدْ تَصَافَيْنَا، فَلَمّا كَتَبَ عُمَارَةُ، إلَى بَنِي مخزوم، وتبرؤا مِنْ دَمِهِ لِبَنِي سَهْمٍ، قَالَ شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: قُتِلَ عُمَارَةُ- وَاَللهِ- وَعَلِمَ أَنّهُ مَكْرٌ مِنْ عَمْرٍو، ثُمّ أَخَذَ عَمْرٌو يُحَرّضُ عُمَارَةَ عَلَى التّعَرّضِ لِامْرَأَةِ النّجَاشِيّ، وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ امرؤ جَمِيلٌ، وَهُنّ النّسَاءُ يُحْبِبْنَ الْجَمَالَ مِنْ الرّجَالِ، فَلَعَلّهَا أَنْ تَشْفَعَ لَنَا عِنْدَ الْمَلِكِ فِي قَضَاءِ حَاجَتِنَا، فَفَعَلَ عُمَارَةُ فَلَمّا رَأَى عَمْرٌو ذَلِكَ، وَتَكَرّرَ عُمَارَةُ عَلَى امْرَأَةِ الْمَلِكِ، وَرَأَى إنَابَتَهَا إلَيْهِ، أَتَى الْمَلِكَ مُنْتَصِحًا، وَجَاءَهُ بِأَمَارَةِ عَرَفَهَا الْمَلِكُ، قَدْ كَانَ عُمَارَةُ أَطْلَعَ عَمْرًا عَلَيْهَا، فَأَدْرَكَتْهُ غَيْرَةُ الْمَلِكِ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنّهُ جَارِي لَقَتَلْته، وَلَكِنْ سَأَفْعَلُ بِهِ مَا هُوَ شَرّ مِنْ الْقَتْلِ، فَدَعَا بِالسّوَاحِرِ، فَأَمَرَهُنّ أَنْ يَسْحَرْنَهُ، فَنَفَخْنَ فِي إحْلِيلِهِ «١» نَفْخَةً، طَارَ مِنْهَا هَائِمًا عَلَى وَجْهِهِ، حَتّى لَحِقَ بِالْوُحُوشِ فِي الْجِبَالِ، وَكَانَ يَرَى آدَمِيّا فَيَفِرّ مِنْهُ، وَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ إلَى زَمَنِ عُمَرَ ابن الْخَطّابِ، فَجَاءَ ابْنُ عَمّهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ إلَى عُمَرَ، وَاسْتَأْذَنَهُ، فِي الْمَسِيرِ إلَيْهِ لَعَلّهُ يَجِدُهُ، فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ فَسَارَ عَبْدُ اللهِ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَأَكْثَرَ النّشْدَةَ عَنْهُ، وَالْفَحْصَ عَنْ أَمْرِهِ، حَتّى أُخْبِرَ أَنّهُ- بِحَيْلِ «٢» يَرِدُ مَعَ الْوُحُوشِ، إذَا وَرَدَتْ، وَيَصْدُرُ مَعَهَا إذَا صَدَرَتْ، فَسَارَ إلَيْهِ حَتّى كَمَنَ له فى الطريق إلى


(١) الإحليل: مخرج البول من ذكر الإنسان واللين من الثدى والضرع.
(٢) الحيل: الماء المستنقع فى بطن واد:

<<  <  ج: ص:  >  >>