للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، وَقَوْلُهُ: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ اقْتَضَاهَا الْإِبْهَامُ، وَتَعْظِيمُ الْمَعْبُودِ مَعَ أَنّ الْحِسّ مِنْهُمْ مَانِعٌ لَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا مَعْبُودَهُ كَائِنًا مَا كَانَ، فَحَسُنَتْ مَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِهَذِهِ الْوُجُوهِ، فَبِهَذِهِ الْقَرَائِنِ يَحْسُنُ وُقُوعُ مَا عَلَى أُولِي الْعِلْمِ «١» وَبَقِيَتْ نُكْتَةٌ بَدِيعَةٌ يَتَعَيّنُ التّنْبِيهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ بِلَفْظِ الْمَاضِي، ثُمّ قَالَ: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ فِي الْآيَتَيْنِ جَمِيعًا، إذَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ: مَا أَعْبُدُ، وَلَمْ يَقُلْ: مَا عَبَدْت، وَالنّكْتَةُ فِي ذَلِكَ أَنّ مَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِبْهَامِ- وَإِنْ كَانَتْ خَبَرِيّةً- تعطى معنى الشرط، فكأنه


(١) يعبر ابن القيم عن «ما» فى قوله: «لا أعبد ما تعبدون، ما على بابها، لأنها رافعة على معبوده «ص» على الإطلاق؛ لأن امتناعهم من عبادة الله ليس لذاته، بل كانوا يظنون أنهم يعبدون الله، ولكنهم كانوا جاهلين به، فقوله: «ولا أنتم عابدون ما أعبد» أى: لا أنتم تعبدون معبودى، ومعبوده هو «ص» كان عارفا به دونهم، وهم جاهلون به ... وقال بعضهم: إن ما هنا مصدرية لا موصولة. أى: لا تعبدون عبادتى، ويلزم من تنزيههم «لعلها تبرئته بدليل ما سيأتى» عن عبادته. تنزيههم «لعلها كالسابقة» عن المعبود، لأن العبادة متعلقة به، وليس هذا بشىء؛ إذ المقصود براءته من معبوديهم وإعلامه أنهم بريئون من معبوده تعالى، فالمقصود: المعبود لا العبادة، ثم قال «وعندى وجه: وهو أن المقصود هنا ذكر المعبود الموصوف بكونه أهلا للعبادة مستحقا لها، فأتى بما الدالة على هذا المعنى، كأنه قيل: ولا أنتم عابدون معبودى الموصوف بأنه المعبود الحق، ولو أتى بلفظة من لكانت إنما تدل على الذات فقط، ويكون ذكر الصلة تعريفا، لا أنه هو جهة العبادة، ففرق بين أن يكون كونه تعالى أهلا لأن يعبد تعريف محض، أو وصف مقتض لعبادته.. وهذا معنى قول محققى النحاة أن ما تأتى لصفات من يعلم ص ١٣٣ ح ١ بدائع الفوائد لابن القيم وما بعدها. وقد ذكر وجوها أخرى عظيمة أيضا

<<  <  ج: ص:  >  >>