للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

شَيْئًا بَنَاهَا لَعَظِيمٌ، أَوْ مَا أَعْظَمَهُ مِنْ شَيْءٍ! فَلَفْظُ مَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يُؤْذِنُ بِالتّعَجّبِ مِنْ عَظَمَتِهِ كَائِنًا مَا كَانَ هَذَا الْفَاعِلُ لِهَذَا، فَمَا أَعْظَمَهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصّةِ آدَم: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ «١» وَلَمْ يَقُلْ: لِمَنْ خَلَقْت، وَهُوَ يَعْقِلُ، لِأَنّ السّجُودَ لَمْ يَجِبْ لَهُ مِنْ حَيْثُ كَانَ يَعْقِلُ، وَلَا مِنْ حَيْثُ كَانَ لَا يَعْقِلُ، وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ أُمِرُوا بِالسّجُودِ لَهُ، فَكَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الْمَخْلُوقُ، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ مَا أُمِرُوا بِهِ، فَمِنْ هَاهُنَا حَسُنَتْ مَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لَا مِنْ جِهَةِ التّعْظِيمِ لَهُ، وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ مَا يَقْتَضِيهِ الْأَمْرُ مِنْ السّجُودِ لَهُ، فَكَائِنًا مَنْ كَانَ، وَأَمّا قوله تعالى: لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ فَوَاقِعَةٌ عَلَى مَا لَا يَعْقِلُ؛ لِأَنّهُمْ كَانُوا


(١) ويقول ابن القيم عن استعمال ما فى الاية: «هذا كلام؟؟؟ فى معرض التوبيخ والتبكيت للعين على امتناعه عن السجود، ولم يستحق هذا التبكيت والتوبيخ حيث كان السجود لمن يعقل، ولكن للمعصية والتكبر على ما لم يخلقه؛ إذ لا ينبغى التكبر لمخلوق على مثله، إنما التكبر للخالق وحده، فكأنه يقول سبحانه: لم عصيتنى وتكبرت على ما لم تخلقه، وخلقته أنا. وشرفته، وأمرتك بالسجود له؟ فهذا موضع ما؛ لأن معناها أبلغ ولفظها أعم، وهو فى الحجة أوقع، وللعذر والشبهة أقطع، فلو قال: ما منعك أن تسجد لمن خلقت، لكان استفهاما مجردا من توبيخ وتبكيت، ولتوهم أنه وجب السجود لله من حيث كان يعقل ولعلة موجودة فى ذاته وعينه، وليس المراد كذلك، وإنما المراد توبيخه وتبكيته على ترك سجوده لما خلق الله وأمره بالسجود له؛ ولهذا عدل عن اسم آدم العلم مع كونه أخص، وأتى بالاسم الموصول الدال على جهة التشريف المقتضية لإسجاده له وهو كونه خلقه بيديه، وأنت لو وضعت مكان ما لفظة من لما رأيت هذا المعنى المذكور فى الصلة، وأن ما جىء بها وصلة إلى ذكر الصلة، فلا معنى إذن للتعيين بالذكر؛ إذ لو أريد التعيين لكان بالاسم العلم أولى وأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>