للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَسْخَرُ بِهِ، وَمَنْ سُخْرِ عُقُولِهِمْ. فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ» ، قُلْنَا: الْعَرَبُ تُسَمّي الْجَزَاءَ عَلَى الْفِعْلِ بِاسْمِ الفعل كما قال تعالى: (نسوا الله فنسنيهم) وَهُوَ مَجَازٌ حَسَنٌ «١» وَأَمّا الِاسْتِهْزَاءُ الّذِي كُنّا بِصَدَدِهِ، فَهُوَ الْمُسَمّى اسْتِهْزَاءُ حَقِيقَةٍ، وَلَا يَرْضَى بِهِ إلّا جَهُولٌ. ثُمّ قَالَ سُبْحَانَهُ: (فَحَاقَ بِالّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) أَيْ حَاقَ بِهِمْ مِنْ الْوَعِيدِ الْمُبَلّغِ لَهُمْ على ألسنة لرسل ما كانوا يستهزؤن بِهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَنَزَلَتْ كُلّ كَلِمَةٍ مَنْزِلَهَا، وَلَمْ يَحْسُنْ فِي حُكْمِ الْبَلَاغَةِ وَضْعُ وَاحِدَةٍ مَكَانَ الْأُخْرَى. وَذَكَرَ أَيْضًا قَوْله سُبْحَانَهُ: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ ملكا لجعلناه رجلا) أَيْ: لَوْ جَعَلْنَا الرّسُولَ إلَيْهِمْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يَكُنْ إلّا عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ، وَلَدَخَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ اللّبْسِ فِيهِ مَا دَخَلَ فِي أَمْرِ مُحَمّدٍ وَقَوْلُهُ: لَبِسْنَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْأَمْرَ كُلّهُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، فَهُوَ يُعْمِي مَنْ شَاءَ عَنْ الْحَقّ، وَيَفْتَحُ بَصِيرَةَ مَنْ شَاءَ، وَقَوْلُهُ: مَا يَلْبَسُونَ، مَعْنَاهُ: يَلْبَسُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ، لِأَنّ أَكْثَرَهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنّهُ الْحَقّ، وَلَكِنْ جَحَدُوا بِهَا، وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ، فَجَعَلُوا، يَلْبَسُونَ أَيْ يَلْبَسُ، بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَيَلْبَسُونَ عَلَى أَهْلِيهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ، أَيْ: يَخْلِطُونَ عَلَيْهِمْ بِالْبَاطِلِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: لبست عليهم


(١) سبق التعليق على مثل هذا. والنسيان هنا حقيقة لا مجاز، لأن أصل النسيان- كما يقول ابن الأثير: الترك. ويقول ابن فارس فى معجمه عن أصل المادة إنها أصلان: أحدهما يدل على إغفال الشىء، والثانى: على ترك الشىء، فيكون المعنى: تركوا الله فتركهم، هذا لأن دعوى المجاز فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته وأفعاله دعوى تجمع بين الحماقة والجرأة والقول على الله بغير علم. ولا سيما وأنه لم يرد عن خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم شىء من هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>