للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَنُحْكِمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا

أَيْ: نُلْجِمُهُ فَنَمْنَعُهُ، وَكَذَلِكَ الْآيَةُ الْمُحْكَمَةُ لَا تُتَصَرّفُ بِقَارِئِهَا التّأْوِيلَاتُ، وَلَا تَتَعَارَضُ عَلَيْهِ الِاحْتِمَالَاتُ، وَلَيْسَ مِنْ لَفْظِ الْحِكْمَةِ، لِأَنّ الْقُرْآنَ كُلّهُ حِكْمَةٌ وَعِلْمٌ. وَالْمُتَشَابِهُ يَمِيلُ بِالنّاظِرِ فِيهِ إلَى وُجُوهٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَطُرُقٍ متباينة، وقوله سبحانه: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ هَذَا مِنْ الْحِكْمَةِ وَمِنْ الْإِحْكَامِ الّذِي هُوَ الْإِتْقَانُ، فَالْقُرْآنُ كُلّهُ مُحْكَمٌ عَلَى هَذَا، وَهُوَ كُلّهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُتَشَابِهٌ أَيْضًا، لِأَنّ بَعْضَهُ يُشْبِهُ بَعْضًا فِي بَرَاعَةِ اللّفْظِ، وَإِعْجَازِ النّظْمِ، وَجَزَالَةِ الْمَعْنَى، وَبَدَائِعِ الْحِكْمَةِ، فَكُلّهُ مُتَشَابِهٌ وَكُلّهُ مُحْكَمٌ، وَعَلَى الْمَعْنَى الْأَوّلِ: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ؛ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَهْلُ الزّيْغِ يَعْطِفُونَ الْمُتَشَابِهَ عَلَى أَهْوَائِهِمْ وَيُجَادِلُونَ بِهِ عَنْ آرَائِهِمْ، وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَرُدّونَ المتشابه إلى المحكم أخذا بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ وَعِلْمًا بِأَنّ الْكُلّ مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَلَا يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا. رَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ قَالَ: إذَا رَأَيْتُمْ الّذِينَ يُجَادِلُون فِيهِ، فَهُمْ أولئك فاحذروهم «١» : وللسلف فى معنى


(١) رواه البخارى ومسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجة وأحمد ولفظ البخارى عن عائشة قالت: «تلا رسول الله «ص» هذه الآية (هُوَ الّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ محكمات) إلى قوله: (وما يذكر إلا أولوا الألباب) قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: فاذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى فاحذروهم»

<<  <  ج: ص:  >  >>