للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَيْنِي وَلَمْ يَقُلْ: كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: تَجْرِي بِأَعْيُنِنا لِأَنّهُ أَخْبَرَ عَنْ قَوْلٍ قَالَهُ لَمْ يُنْزِلْهُ بِهَذَا اللّسَانِ الْعَرَبِيّ وَلَمْ يَحْكِ لَفْظًا أَنْزَلَهُ، وَإِنّمَا أَخْبَرَ عَنْ الْمَعْنَى، وَلَيْسَ الْمَجَازُ فِي الْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِعَبْدِ أَنْ يَقُولَ رَبّ اغْفِرُوا، وَلَا ارْحَمُونِي، وَلَا عَلَيْكُمْ تَوَكّلْت، وَلَا إلَيْكُمْ أَنَبْت، وَلَا قَالَهَا نَبِيّ قَطّ فِي مُنَاجَاتِهِ، وَلَا نَبِيّ فِي دُعَائِهِ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُشْعِرَ قَلْبَهُ التّوْحِيدَ، حَتّى يُشَاكِلَ لَفْظُهُ عَقْدَهُ. الثّانِي: مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ سَيْرِ هَذَا الْمَجَازِ، وَأَنّ سَبَبَهُ صُدُورُ الْكَلَامِ عَنْ حَضْرَةِ الْمَلِكِ مُوَافَقَةً لِلْعَرَبِ فِي هَذَا الْأُسْلُوبِ مِنْ كَلَامِهَا، وَاخْتِصَاصِهَا بِعَادَةِ مُلُوكِهَا وَأَشْرَافِهَا، وَلَا نَنْظُرُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَبِذَلِك رُوجِعُوا، يَعْنِي: بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَاحْتَجّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ خَبَرًا عَمّنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ مِنْ الْكُفّارِ إذْ يَقُولُ: رَبِّ ارجعون، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا خَبَرٌ عَمّنْ حَضَرَتْهُ الشّيَاطِينُ، أَلَا تَرَى قَبْلَهُ: وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَنْ يحضرون، فإنما جَاءَ هَذَا حِكَايَةً عَمّنْ حَضَرَتْهُ الشّيَاطِينُ، وَحَضَرَتْهُ زَبَانِيَةُ الْعَذَابِ وَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ فِي الْمَوْتِ مَا كَانَ يَعْتَادُهُ فِي الْحَيَاةِ مِنْ رَدّ الْأَمْرِ إلَى الْمَخْلُوقِينَ، فَلِذَلِكَ خُلِطَ، فَقَالَ: رَبّ، ثُمّ قَالَ: ارْجِعُونِ «١» ، وَإِلّا فَأَنْتَ أَيّهَا الرّجُلُ الْمُجِيزُ لِهَذَا اللّفْظِ فِي مُخَاطَبَةِ الرّبّ سُبْحَانَهُ: هَلْ قُلْت قَطّ فِي دُعَائِك: ارْحَمُونِ يَا رَبّ، وَارْزُقُونِ؟! بَلْ لَوْ سَمِعْت غَيْرَك يَقُولُهَا لسطوت به، وأما قول


(١) سبقه إلى هذا ابن جرير الطبرى، ففيه «وإنما ابتدىء الكلام بخطاب الله جل ثناؤه، لأنهم استغاثوا به، ثم رجعوا إلى مسئلة الملائكة الرجوع والرد إلى الدنيا» ونقل عن بعض نحويى الكوفة «قيل ذلك كذلك لأنه مما جرى على وصف الله نفسه من قوله: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً فى غير مكان من القرآن، فجرى هذا على ذاك»

<<  <  ج: ص:  >  >>