. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لَا بِتَذَكّرِ، وَلَا بِتَفَكّرِ، وَلَا بِتَدْقِيقِ نَظَرٍ، وَلَا بِفَحْصِ عَنْ دَلِيلٍ، فَلَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ هَكَذَا إلّا اللهُ. وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ بِالْفَحْصِ عَنْ الدّلِيلِ، وَبِتَدْقِيقِ النّظَرِ وَتَسْدِيدِ الْعِبَرِ، فَهُمْ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ إسْحَاقَ فِي الْآيَةِ.
احْتِجَاجُ الْقِسّيسِينَ لِلتّثْلِيثِ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ احْتِجَاجَ الْأَحْبَارِ وَالْقِسّيسِينَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ بِقَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ:
خَلَقْنَا وَأَمَرْنَا وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، وَقَالُوا هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ تَعَالَى اللهُ عَنْ قَوْلِهِمْ، وَهَذَا مِنْ الزّيْغِ بِالْمُتَشَابِهِ، دُونَ رَدّهِ إلَى الْمُحْكَمِ نَحْوَ قَوْلِهِ:
وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ و: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْعَجَبُ مِنْ ضَعْفِ عُقُولِهِمْ: كَيْفَ احْتَجّوا عَلَى مُحَمّدٍ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، لِأَنّ هَذَا اللّفْظَ الّذِي احْتَجّوا بِهِ مَجَازٌ عَرَبِيّ، وَلَيْسَ هُوَ لَفْظَ التّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَأَصْلُ هَذَا الْمَجَازِ فِي الْعَرَبِيّةِ أَنّ الْكِتَابَ إذَا صَدَرَ عَنْ حَضْرَةِ مَلِكٍ كَانَتْ الْعِبَارَةُ فِيهِ عَنْ الْمَلِكِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ دَلَالَةً عَلَى أَنّهُ كَلَامُ مَلِكٍ مَتْبُوعٍ عَلَى أَمْرِهِ، وَقَوْلِهِ، فَلَمّا خَاطَبَهُمْ اللهُ تَعَالَى بِهَذَا الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَنْزَلَهُ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِي الْكَلَامِ، وَجَاءَ اللّفْظُ فِيهِ عَلَى أُسْلُوبِ الْكَلَامِ الصّادِرِ عَنْ حَضْرَةِ الْمَلِكِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي غَيْرِ اللّسَانِ الْعَرَبِيّ، وَلَا يَتَطَرّقُ هَذَا الْمَجَازُ فِي حُكْمِ الْعَقْلِ إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ، إنّمَا هُوَ فِي اللّفْظِ الْمُنَزّلِ، وَلِذَلِكَ نَجِدُهُ إذَا أَخْبَرَ عَنْ قَوْلٍ قَالَهُ لِنَبِيّ قَبْلَنَا، أَوْ خَاطَبَ بِهِ غَيْرَنَا نَحْوَ قَوْلِهِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وَلَمْ يَقُلْ: خَلَقْنَا بِأَيْدِينَا، كَمَا قَالَ: مِمّا عَمِلَتْهُ أَيْدِينَا، وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ وَحْيِهِ لِمُوسَى: وَلِتُصْنَعَ عَلى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute