للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَرَوْنَ أَنّ قَوْلَهُ: وَالرّاسِخُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَأَنّهُمْ عَالِمُونَ بِالتّأْوِيلِ، وَيَحْتَجّونَ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ مِنْ أَثَرٍ وَنَظَرٍ، وَاَلّذِي أَرْتَضِيهِ مِنْ ذَلِكَ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ الّذِي قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَمَعْنَاهُ كُلّهُ أَنّ الكلام قدتمّ فِي قَوْلِهِ: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلّا اللهُ. والراسخون فى العلم: مبتدأ، لكن لأنقول: إنّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ. كَمَا قَالَتْ الطّائِفَةُ الْأُولَى، وَلَكِنْ نَقُولُ:

إنّهُمْ يَعْلَمُونَهُ بِرَدّ الْمُتَشَابِهِ إلَى الْمُحْكَمِ، وبالاستدلال عَلَى الْخَفِيّ بِالْجَلِيّ، وَعَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بِالْمُتّفَقِ عَلَيْهِ، فَتَنْفُذُ بِذَلِكَ الْحُجّةُ، وَيُزَاحُ الْبَاطِلُ، وَتَعْظُمُ دَرَجَةُ الْعَالِمِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، لِأَنّهُ يَقُولُ: آمَنْت بِهِ كُلّ مِنْ عِنْدِ رَبّي فَكَيْفَ يَخْتَلِفُ؟! وَلَمّا كَانَ الْعِلْمَانِ مُخْتَلِفَيْنِ: عِلْمُ اللهِ، وَعِلْمُ الرّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ لم يجز عطف: «الراسخون» عَلَى مَا قَبْلَهُ، فَاَللهُ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ الْعِلْمَ القديم «١»


- لصفات الله وأسمائه، هو نفس ما هو عليه سبحانه، وما هو موصوف به من الصفات، فإن أحدا لا يعلم شيئا من هذا، ولا يستطيعه حتى الراسخون فى العلم. أما إذا كان بمعنى التفسير والبيان، فالراسخون يعلمون، كتفسير الاستواء بعلو العلى الغفار، وإذا كان التأويل بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره بقرينة مزعومة فهو معنى باطل كأريل الاستواء بالاستيلاء، وخرج صاحب هذا التأويل فى زعمه من شنيع إلى ما هو أشد شناعة وغلظا فيها، وما فى إخبار الله عن نفسه بأنه استوى أثارة من شناعة. وإلا حكمنا على ربنا بأنه لا يحسن البيان، أو بأنه يخبر عن نفسه بما ليس لوجوده أو لمعناه حقيقة، أو يخبر عن نفسه بما فيه شناعة، وأما فى الإخبار عنه بأنه استولى ففيه ما فيه، فيه بهت الله بما لم يقله، فيه الحكم على الله بأنه غلب يوما على أمره، فالاستيلاء يفيد المغالبة، فيه الزعم بأننا أحسن بيانا من الله فى التعبير عن صفاته. ومعاذ الله جل شأنه
(١) لم يرد لا فى القرآن، ولا فى الحديث الصحيح وصف علم الله بهذه الصفة التى لا توحى إلا بالعفونة.

<<  <  ج: ص:  >  >>