للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُسَاوَمَةُ جَابِرٍ فِي جَمَلِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ:

وَذَكَرَ مُسَاوَمَةَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَابِرِ فِي الْجَمَلِ «١» ، حَتّى اشْتَرَاهُ مِنْهُ بأوفيّة، وَأَنّهُ أَعْطَاهُ أَوّلًا دِرْهَمًا، فَقَالَ: لَا إذَا تَغْبِنُنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنْ كَانَ أَعْطَاهُ الدّرْهَمَ مَازِحًا، فَقَدْ كَانَ يَمْزَحُ، وَلَا يَقُولُ إلّا حَقّا، فَإِذَا كَانَ حَقّا، فَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ إبَاحَةُ الْمُكَايَسَةِ الشّدِيدَةِ فِي الْبَيْعِ، وَأَنْ يُعْطِيَ فِي السّلْعَةِ مَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لَهَا بِنَصّ الْحَدِيثِ، وَفِي دَلِيلِهِ أَنّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِمَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهَا ثَمَنًا، وَهُوَ عَاقِلٌ بَصِيرٌ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ تَدْلِيسٌ عَلَيْهِ، فَهُوَ بيع ماض لارجوع فِيهِ، وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُ كُلّمَا زَادَ لَهُ دِرْهَمًا قَدْ أَخَذْته بِكَذَا وَاَللهُ يَغْفِرُ لَك، فَكَأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَرَادَ بِإِعْطَائِهِ إيّاهُ دِرْهَمًا دِرْهَمًا أَنْ يُكْثِرَ اسْتِغْفَارَهُ لَهُ، وَفِي جَمَلِ جَابِرٍ هَذَا أُمُورٌ مِنْ الْفِقْهِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا، وَذَلِكَ أَنّ طَائِفَةً مِنْ الْفُقَهَاءِ احْتَجّوا بِهِ فِي جَوَازِ بَيْعٍ وَشَرْطٍ «٢» ، لِأَنّ النّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرَطَ لَهُ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعٌ وَشَرْطٌ، وَإِنْ وَقَعَ فَالشّرْطُ بَاطِلٌ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ «٣» ، وَاحْتَجّوا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ شُعَيْبٍ عَنْ جدّ أبيه


(١) كما رواه ابن إسحاق رواه ابن سعد فى طبقاته، وفى البخارى فى عشرين موضعا فى بعضها أن ذلك كان فى غزوة تبوك، وفى مسلم أنه فى غزوة الفتح.. وعن نخسه ذكر فى أحمد ومسلم أنه ضربه برجله، ودعا له.
(٢) إلى هذا ذهب أحمد والبخارى لكثرة رواة الاشتراط.
(٣) إلى هذا ذهب أبو حنيفة والشافعى مطلقا، وتوسط مالك ففصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>