مذموم، وما كان منها بحق وعدل ومجازاة على القبيح، فهو حسن محمود، فإن المخادع إذا خادع بباطل وظلم حسن من المجازى له أن يخدعه بحق وعدل، وكذلك إذا مكر واستهزأ ظالما متعديا، كان المكربه والاستهزاء عدلا حسنا، كما فعله الصحابة بكعب بن الأشرف، وابن أبى الحقيق، وأبى رافع وغيرهم ممن كان يعادى رسول الله «ص» فخادعوه حتى كفوا شره وأذاه بالقتل، وكان هذا الخداع والمكر نصرة لله ورسوله.. وجزاء المسىء بمثل إساءته جائز فى جميع الملل مستحسن فى جميع العقول؛ ولهذا كاد سبحانه ليوسف حين أظهر لإخواته ما أبطن خلافه جزاء لهم على كيدهم له مع أبيه، حيث أظهروا أمرا وأبطنوا خلافه، ثم قرر أن هذه الأفعال لا يجوز ذمها على الإطلاق، ولا مدحها على الإطلاق، كما لا يجوز أن يشتق منها أسماء وصفات لله سبحانه؛ لأن الله لا يوصف إلا بالأنواع المحمودة على الإطلاق، ولهذا لم يرد فى أسمائه الحسنى: المريد أو المتكلم أو الفاعل أو الصانع؛ لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم، فلا يجوز مطلقا اشتقاق الماكر والمخادع والمستهزىء مما ورد فى الايات، وتسمية الله بها، لأنه سبحانه لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق.. فلا يكون الاستهزاء والمكر والخداع منه قبيحا البتة، فلا يمتنع وصفه به ابتداء لا على سبيل المقابلة.. فإطلاق ذلك عليه سبحانه على حقيقته دون مجازاة؛ إذ الموجب للمجاز منتف» وأقول: كل مسلم يتدبر القرآن لا يشعر أبدا بمثل ما يفتريه المعطلة والجهمية ولا يخر على آياته أصم أعمى، ويغمر قلبه اليقين بأن الله الذى من علينا فعلمنا البيان يستحيل أن تحكم عليه بأنه أخطأ فى البيان عن صفاته وأسمائه وأفعاله، أو أراد أن يضللنا بألفاظ لا يراد بها معانيها التى لها فى لغة القرآن، فلنصف الله بما وصف به نفسه، ولنسمه بما سمى به نفسه، ولننسب إليه ما نسبه هو إلى نفسه جل جلاله دون تأويل أو تحريف أو تمثيل أو تشبيه أو تعطيل لشىء من هذا كله فإننا نؤمن بأن قوله- سبحانه- هو الحق، وأنه ليس كمثله شىء.