للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لِأَنّهُ- عَلَيْهِ السّلَامُ- دَعَاهَا إلَى الْإِيمَانِ، فَأَجَابَتْهُ عَفْوًا، لَمْ تُحْوِجْهُ إلَى أَنْ يَصْخَبَ كَمَا يَصْخَبُ الْبَعْلُ إذَا تَعَصّتْ عَلَيْهِ حَلِيلَتُهُ، وَلَا أَنْ يَنْصِبَ، بَلْ أَزَالَتْ عَنْهُ كُلّ نَصَبٍ، وَآنَسَتْهُ مِنْ كُلّ وَحْشَةٍ، وَهَوّنَتْ عَلَيْهِ كُلّ مَكْرُوهٍ، وَأَرَاحَتْهُ بِمَا لَهَا مِنْ كُلّ كَدّ وَنَصَبٍ، فَوَصَفَ مَنْزِلَهَا الّذِي بُشّرَتْ بِهِ بِالصّفّةِ الْمُقَابِلَةِ لِفَعَالِهَا وَصُورَتِهِ.

وَأَمّا قَوْلُهُ: مِنْ قَصَبٍ، وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ لُؤْلُؤٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا، وَلَكِنْ فِي اخْتِصَاصِهِ هَذَا اللّفْظِ مِنْ الْمُشَاكَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمُقَابِلَةِ بِلَفْظِ الْجَزَاءِ لِلَفْظِ الْعَمَلِ أَنّهَا- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- كَانَتْ قَدْ أَحْرَزَتْ قَصَبَ السّبْقِ إلَى الْإِيمَانِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الرّجَالِ وَالنّسْوَانِ. وَالْعَرَبُ تُسَمّي السّابِقَ مُحْرِزًا لِلْقَصْبِ.

قَالَ الشّاعِرُ:

مَشَى ابْنُ الزّبَيْرِ الْقَهْقَرَى، وَتَقَدّمَتْ ... أُمَيّةُ حَتّى أَحْرَزُوا الْقَصَبَاتِ

فَاقْتَضَتْ الْبَلَاغَةُ أَنْ يَعْبُرَ بِالْعِبَارَةِ الْمُشَاكِلَةِ لِعَمَلِهَا فِي جَمِيعِ أَلْفَاظِ الحديث فتأمله

الموازنة بين خديجة وعائشة:

فَصْلٌ: وَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَدِيجَةَ: هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُك السّلَامَ مِنْ رَبّك. الْحَدِيثُ «١» يُذْكَرُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بن داود أنه


(١) فى الحديث المتفق عليه عن أبى هريرة: «أتى جبريل النبى «ص» فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام وطعام، فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنى، وبشرها ببيت فى الجنة مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبٍ فِيهِ وَلَا نَصَبٍ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>