. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَعَ أَنّ صَدْعَهُ وَبَيَانَهُ إذَا عَلّقْته بِأَمْرِ اللهِ وَوَحْيِهِ، كَانَ حَقِيقَةً، وَإِذَا عَلّقْته بِالْفِعْلِ الّذِي أَمَرَ بِهِ كَانَ مَجَازًا، وَإِذَا صَرّحْت بِلَفْظِ الّذِي، لَمْ يَكُنْ حَذْفُهَا بِذَلِكَ الْحَسَنِ، وَتَأَمّلْهُ فِي الْقُرْآنِ تَجِدْهُ كَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ، وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ الْبَقَرَةُ: ٣٣ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ التّغَابُنُ: ٤. ولِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ص: ٧٥.
ولا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ الْكَافِرُونَ. وَلَمْ يَقُلْ: خَلَقْته، وَحَذَفَ الْهَاءَ فِي ذَلِكَ كُلّهِ، وَقَالَ فِي الذى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ البقرة: ١٢١ والَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْحَجّ: ٢٥ وَمَا أَشَبَهُ ذَلِكَ، وَإِنّمَا كَانَ الْحَذْفُ مَعَ مَا أَحْسَنَ لِمَا قَدّمْنَاهُ مِنْ إبْهَامِهَا، فَاَلّذِي فِيهَا مِنْ الْإِبْهَامِ قَرّبَهَا مِنْ مَا الّتِي هِيَ شَرْطٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، أَلَا تَرَى أَنّ مَا إذَا كَانَتْ شَرْطًا تَقُولُ فِيهَا: مَا تَصْنَعْ أَصْنَعَ مِثْلَهُ، وَلَا تَقُولُ: مَا تَصْنَعُهُ؛ لِأَنّ الْفِعْلَ قَدْ عَمِلَ فِيهَا، فَلَمّا ضَارَعَتْهَا هَذِهِ الّتِي هِيَ مَوْصُولَةٌ، وَهِيَ بِمَعْنَى الّذِي أُجْرِيَتْ فِي حَذْفِ الْهَاءِ مَجْرَاهَا فِي أَكْثَرِ الْكَلَامِ، وَهَذِهِ تَفْرِقَةٌ فِي عَوْدِ الضّمِيرِ عَلَى مَا، وَعَلَى «الّذِي» يَشْهَدُ لَهَا التّنْزِيلُ، وَالْقِيَاسُ الّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْإِبْهَامِ، وَمَعَ هَذَا لَمْ نَرَ أَحَدًا نَبّهَ عَلَى هَذِهِ التّفْرِقَةِ، وَلَا أَشَارَ إلَيْهَا، وَقَارِئُ الْقُرْآنِ مُحْتَاجٌ إلَى هَذِهِ، التّفْرِقَةِ. وَقَدْ يَحْسُنُ حَذْفُ الضّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الّذِي؛ لِأَنّهُ أَوْجَزُ، وَلَكِنّهُ لَيْسَ كَحَسَنِهِ مَعَ مَنْ وَمَا، فَفِي التّنْزِيلِ: وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا التّغَابُنُ: ٨ فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُتَعَدّيًا إلَى اثْنَيْنِ كَانَ إبْرَازُ الضّمِيرِ أَحْسَنَ مِنْ حَذْفِهِ، لِئَلّا يُتَوَهّمُ أَنّ الْفِعْلَ واقع على الْمَفْعُولِ الْوَاحِدِ، وَأَنّهُ مُقْتَصَرٌ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: [وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي] جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْحَجّ: ٢٥ والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ الْبَقَرَةُ: ٢١ وَشَرَحَ ابْنُ هِشَامٍ مَعْنَى قَوْلِهِ: اصْدَعْ شَرْحًا صَحِيحًا، وَتَتِمّتُهُ أَنّهُ صَدْعٌ عَلَى جِهَةِ الْبَيَانِ، وَتَشْبِيهٌ لِظُلْمَةِ الشّكّ وَالْجَهْلِ بِظُلْمَةِ اللّيْلِ. وَالْقُرْآنُ نُورٌ، فَصَدَعَ بِهِ تِلْكَ الظّلْمَةَ، وَمِنْهُ سُمّيَ الْفَجْرُ: صَدِيعًا، لِأَنّهُ يَصْدَعُ ظلمة الليل، وقال الشّمّاخ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute