على الإطلاق وأنفعه وما العباد أحوج شيء إليه، وهو الهداية إلى صراطه المستقيم المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، والاستقامة عليه إلى الممات. وتتضمن ذكر أصناف الخلائق وانقسامهم إلى منعم عليه بمعرفة الحق والعمل به ومحبته وإيثاره، ومغضوب عليه بعدوله عن الحق بعد معرفته له، وضال بعدم معرفته له؛ وهؤلاء أقسام الخليقة، مع تضمنها لإثبات القدر والشرع، والأسماء والصفات، والمعاد، والنبوات، وتزكية النفوس وإصلاح القلوب، وذكر عدل اللَّه وإحسانه، والرد على جميع أهل البدع والباطل؛ وحقيق بسورة هذا بعض شأنها أن يستشفى بها من الأدواء، ويرقى بها اللديغ.
وبالجملة، فما تضمنته الفاتحة من إخلاص العبودية، والثناء على اللَّه، وتفويض الأمر كله إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، وسؤاله مجامع النعم كلها، وهي الهداية التي تجلب النعم وتدفع النقم من أعظم الأدوية الشافية والكافية.
وقد قيل: إن موضع الرقية منها {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} [الفاتحة: ٥]، ولا ريب أن هاتين الكلمتين من أقوى أجزاء هذ الدواء، فإن فيهما من عموم التفويض والتوكل، والالتجاء والاستعانة، والافتقار والطلب، والجمع بين أعلى الغايات وهي عبادة الرب وحده، وأشرف الوسائل وهي الاستعانة به على