للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالقصص بما تحوي من الحوادث المتشابهة تساعد الإنسان على معرفة السنن الربانية التي لا تتخلف - إلا أن يشاء الله- وذلك بقياس الحاضر على الماضي، قال ابن تيمية -رحمه الله-: " ومن هذا الباب صارت قصص المتقدمين عبرة لنا، ولولا القياس، واطراد فعله وسنته لم يصح الاعتبار بها، لأن الاعتبار إنما يكون إذا كان حكم الشيء حكم نظيره كالأمثال المضروبة في القرآن" (١).

[المبحث الخامس: استبانة سبيل المجرمين]

من أهم الأهداف، وأجل الغايات التي تحصل من دراسة الأديان معرفة سبيل المجرمين، قال تعالى عقب حديثه عن الرسل والرسالات: {(٥٤) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: ٥٥] (٢)، والله قد بين في كتابه سبيل المؤمنين مفصلة، وسبيل المجرمين مفصلة، وعاقبة هؤلاء مفصلة، وعاقبة هؤلاء مفصلة، وأعمال هؤلاء، وأعمال هؤلاء، وأولياء هؤلاء، وأولياء هؤلاء، وخذلانه لهؤلاء، وتوفيقه لهؤلاء، والأسباب التي وفق بها هؤلاء، والأسباب التي خذل بها هؤلاء ... والعالمون بالله وكتابه، ودينه، عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية، وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية، فاستبانت لهم السبيلان، كما يستبين للسالك الطريق الموصل إلى مقصوده، والطريق الموصل إلى الهلكة، فهؤلاء أعلم الخلق، وأنفعهم للناس، وأنصحهم لهم، وهم الأدلاء الهداة، وبذلك برز الصحابة على جميع من أتى بعدهم إلى يوم القيامة، فإنهم نشأوا في سبيل الضلال، والكفر، والشرك، والسبل الموصلة إلى الهلاك، وعرفوها مفصلة، ثم جاءهم الرسول، فأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى، وصراط الله المستقيم (٣).

"والله -سبحانه- يحب أن تُعرف سبيل أعدائه لتُجتنب، وتُبغض، كما يحب أن تُعرف سبل أوليائه، لتحب وتسلك، وفي هذه المعرفة من الفوائد، والأسرار ما لا يعلمه إلا الله .. " (٤).

إن تميز أهل الحق عن أهل الباطل من أهل الأهواء والبدع، ومن أهل الأديان والنحل الباطلة، قضية في غاية الأهمية، فقد حرص السلف -رضوان الله عليهم- ذلك، وما تسمية أهل الحق بألقاب "أهل السنة والجماعة" و"السلف" و"أهل الحديث" و"أهل الأثر" إلا من باب التمايز، وتبين سبيل الحق عن سبل أهل الضلال، وإذا كان التمايز عن أهل البدع الذين هم من أهل القبلة مطلوباً شرعاً فإن غيرهم من أهل الأديان والنحل الباطلة من باب الأولى (٥).


(١) جامع الرسائل، لابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم ص ٥٥، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الأولى. وانظر: علم الملل ومناهج العلماء فيها ١٦٧ - ١٦٩.
(٢) سورة الأنعام الآية: ٥٥.
(٣) انظر: الفوائد لان القيم الجوزية، تحقيق محمد عثمان الخشب ص ١٦١، دار الكتاب العربي - بيروت، ط الرابعة ١٤١٠ هـ ١٩٩٠ م.
(٤) المصدر السابق ص ١٦٤.
(٥) انظر: علم الملل ومناهج العلماء فيه ص ١٦٥ - ١٦٦.

<<  <   >  >>