للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله امتثالاً لأمر ربه فدعا جميع أهل الأديان إلى الإسلام، فأرسل رسله إلى جميع ملوك الأرض، وحاور جميع الأصناف المخالفين للحق، وخاصة أهل الكتاب قال تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)} [آل عمران: ٦٤] (١) " (٢).

[المبحث الثالث: الرد على شبهات أهل الأديان]

في تاريخ الأديان والملل لم يتعرض دين ولا ملة مثلما تعرض له دين الإسلام من خصومه من محاولات لتشويهه وتحريفه، وإثارة الشبهات حوله، فقد تعرضت أصوله وفروعه هجوماً شرساً منذ أن وقف النبي صلى الله عليه وسلم يصدع بدعوة الحق مبلغاً رسالة ربه، ومنادياً للناس أن يدخلوا دين الله الحق، وأن ينبذوا ما سواه من الأديان والملل.

من ذلك الوقت أعلن أهل الباطل حربهم على الإسلام، وكانت إثارة الشبهات، والشكوك أهم الأسباب، وأنجع الوسائل عندهم، وكان القرآن يتصدى لشبهاتهم، ويفندها بالحجج، والبراهين القاطعة، قال تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (٣٣)} [الفرقان: ٣٣] (٣).

فالله يخبر رسوله بأنهم لا يأتون بحجة، أو شبهة، ولا يقولون قولا يعترضون به الحق، إلا أجبناهم بما هو الحق في نفس الأمر، وأبين، وأوضح، وأفصح من مقالاتهم (٤).

ولما قام أعداء الدين بإثارة الشبهات، والشكوك بين المسلمين، وبدأوا يبتدعون أموراً لا أصل لها في الدين، ويفرقون بين المسلمين، قام علماء المسلمين بحق الله عليهم فكشفوا صنوف المؤامرات التي كانت ضد الإسلام، فردوا الشبهات التي كان أهل الأديان يبثونها بين المسلمين في محاولاتهم اليائسة لوقف زحف الإسلام، وبذلك انتصر الإسلام في ميدان الفكر كانتصاره في ميدان الجهاد بالسنان.

إن كشف زيف الباطل، وبيان الشبهات التي يختلقها أهل الباطل، وردها رداً محكماً أصل عظيم من أصول الإسلام، وباب من أبواب الجهاد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فالراد على أهل البدع مجاهد" (٥). ونقل عن يحيى بن يحيى أنه قال: "الذب عن السنة أفضل الجهاد" (٦). وقال الشيخ بكر أبو زيد: " فالرد على أهل الباطل، ومجادلتهم ومناظرتهم حتى تنقطع شبهتهم، ويزول عن المسلمين ضررهم مرتبة من منازل الجهاد باللسان، والقلم أحد اللسانين" (٧). وبهذا تتم حماية الدين وحراسته (٨).


(١) سورة آل عمران الآية: ٦٤.
(٢) انظر: علم الملل ومناهج العلماء فيه ص ١٥٧.
(٣) سورة الفرقان الآية: ٣٣.
(٤) انظر: تفسير ابن كثير ٣/ ٢٩٨، دار المفيد، بيروت الطبعة الأولى.
(٥) انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبدالرحمن بن قاسم، ص ٤/ ١٣، دار عالم الكتب، الرياض، ١٤١٢.
(٦) المصدر السابق ٤/ ١٣.
(٧) الرد على المخالف من أصول الإسلام بكر أبو زيد، ص ٢٩، دار الهجرة، الطبعة الثانية.
(٨) علم الملل ومناهج العلماء فيه ص ١٦١ - ١٦٤.

<<  <   >  >>