للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثالث: المنهج في العرض والرد]

يلاحظ المتأمل في كتب السلف في الأديان والملل أن منهجهم في العرض والنقاش، والرد والمناظرات، قد تميز عن غيره من المناهج بخصائص تمثل قواعد وضوابط في العرض والنقاش، والرد والمناظرة، فهو منهج شمولي، يعرض الأديان المطلوب دراستها، فيناقش مبادئها، ويحللها تحليلاً نقدياً، ثم يرد ما فيها من باطل.

[أولاً: العرض وخصائصه]

العرض هو الشكل أو القالب الذي يقدم بواسطته المصنف موضوعه، وتختلف أساليب العرض من مصنف إلى مصنف، كما تختلف تبعاً لاختلاف موضوع البحث، وبما أن الاشتغال بعلم الأديان مرتبط بعقيدة المسلم بكونه أداة من أدوات الدعوة إلى الله تعالى والدفاع عن الدين؛ فإنه يجب عليه أن يكون عرضه الأديان والملل عرضاً يحقق الأهداف الشرعية التي من أجلها يدرس هذا العلم، وأن يكون موافقاً لمنهج القرآن في عرض الأديان ونقدها، والملاحظ لكتب السلف يجد أن عرضهم لها يتميز بأمور منها:

١ - الوضوح: والوضوح الذي تميز به منهج السلف في دراسة الأديان يرجع إلى كونهم اتبعوا المنهج القرآني الذي يعرض قضايا الدين بالأسلوب السهل الواضح الذي يفهمه جميع الناس، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)} [القمر: ١٧] (١)، وبمنهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يعالج الأمور بالكلام القليل الواضح الذي يجري مجرى الأمثال والحكم لقلة ألفاظه، وكثرة معانيه، ووضوحه، فإنك لو تأملت قوله صلى الله عليه وسلم: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذي من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم" (٢) تبين لك سبب هلاك الأمم السابقة وهو كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم.

٢ - الدقة والشمولية في العرض: الدقة والشمولية من مقتضيات الأمانة العلمية، وهي مطلوبة في كل ما يعرض مهما كانت عداوة الخصم، فلا يجوز الكذب عليه، بل يعرض عقيدته، وأفكاره كما هي في المصادر المعتبرة لديه.


(١) سورة القمر الآية: ١٧.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الفضائل، باب توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه، أو لا يتعلق به تكليف، وما لا يقع ونحو ذلك ص ٩٥٩، رقم الحديث ١٣٣٧.

<<  <   >  >>