[الفصل السادس: مناهج المخالفين لأهل السنة في دراسة الأديان ونقدها]
[المبحث الأول: مناهج أهل الكلام في دراسة علم الأديان]
إن لبعض الفرق المبتدعة دورٌ في هذا العلم، مما يجعل ضرورة لكل باحث في مناهج علماء المسلمين في دراسة علم الأديان والملل أن يتناولها بالدراسة والنقد والتمحيص ليبين الحق من الباطل، وببيان خطأ مناهج المخالفين لمنهج أهل السنة والجماعة يتضح صواب منهج أهل السنة والجماعة وصحته.
وقد تنوعت الاتجاهات المخالفة لمنهج أهل السنة في دراسة الأديان والملل وهي نفس الاتجاهات التي خالفت منهج أهل السنة في أصول الدين، وبناءً على الأسس التي قامت عليها والقواعد التي اتخذتها في الاستدلال وفهم النصوص قامت بدراسة الأديان، مع أن بعض هذه الاتجاهات لم يكن لها جهود واضحة في دراسة الأديان.
فالصوفية مثلا ليس لها جهود ظاهرة في مجال علم الأديان والملل كبعض الفرق الكلامية الأخرى؛ وذلك بسب انعزالهم عن المخالطة، ثم منهجهم في اكتساب المعرفة له إسهام في ذلك، إذ إن معظم الصوفية يفرقون بين العلم والمعرفة حيث زعموا أن المعرفة تتطلب اتصالاً مباشراً -أي دون واسطة بين العبد وخالقه- وأن لفظ العلم غير مرادف للفظ المعرفة، والمعنى أن الصوفية لم يعولوا على الحس ولا على العقل والنقل، وإنما اعتمدوا على الأحوال والأذواق والمواجيد التي من قبيل الوجدانيات التي لا تعرف بالعقل وإنما بالقلب فقط، والتي لا تستمد من تجربة ولا معلم ولا كتاب، وإنما عن تجربة ذوقية باطنية، ومعرفة القلب الذي يعرف ويشاهد (١).
فانعزال الصوفية وابتداعهم هذا المنهج الذي أدى بهم إلى إنكار المنهج الشرعي المعتمد على النقل والعقل أدى إلى عدم بروزهم في مجال علم الأديان والملل إذ إن هذا العلم من العلوم التي تعتمد على النقل والعقل.
وهذا الاتجاه لا يمكن أن يمثل الإسلام ومنهجه في مجال دراسة الأديان لمخالفته منهج أهل السنة والجماعة مسلكاً ومعتقداً.
أما الفلاسفة سواء كانوا من الفلاسفة الخلص أو الذين خلطوا بين الفلسفة والآراء الكلامية لم يكونوا بعيدين عن مجال علم الأديان والملل وأن الفلسفة بطبيعة موضوعها والبيئة العلمية التي كانت سائدة بالفرق الكلامية ساعدا الفلاسفة في الإسلام على الخوض في ميدان علم الأديان والملل.
إن علم الأديان والملل عند هذا الاتجاه الذي نزع منزع الفلاسفة الأقدمين وأخذ بطريقتهم في تقرير الحقائق الغيبية والبحث عن أمور الدين والدفاع عنه لم يكن إلا مجموعة من الآراء والأقيسة المنطقية والتعليلات الفلسفية، وعلم الأديان والملل على منهاج هذا القوم غير مجد في تقرير الحق والدفاع عنه لأنه مبني على منهج أجنبي عن الحق، فينبغي استبعاده، ولعل مكمن الخطأ والخطورة في هذا الاتجاه يتلخص فيما يلي:
١ - أن أقوال الفلاسفة في الألوهية والنبوة والمعاد يصطدم بأصول الدين الإسلامي حيث يزعم الفلاسفة بقدم العالم، وأن الله يعلم الكليات دون الجزئيات وحشر الأرواح دون الأجساد، وجعل النبوة من جنس المنامات.
٢ - الاعتماد على العقل في تقرير العقائد.
(١) انظر: الفرق الكلامية الإسلامية د. علي عبد الفتاح المغربي، ص ١١٩، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الثانية.