للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الاتجاه الكلامي وهو من أهم الاتجاهات لكون أغلب الفرق المبتدعة تندرج تحته، فالشيعة، والماتريدية، والكلابية، والمعتزلة، والأشاعرة، وغيرها من الفرق المبتدعة التي نحت منحى عقلياً تصنف في هذا الاتجاه، كما أن هذا الاتجاه يعد من أكثر الاتجاهات اهتماماً بعلم الأديان والملل، ومع أن كل صنف من هذه الأصناف قد تناول تقرير العقيدة الإسلامية، ورد على خصومها وفق المنظار الذي ارتضاه، إلا أن الإطار الذي يجمعها هو المنهج الكلامي.

فالمعتزلة مثلا كان لها جهود في علم الأديان والملل: وكان لها جولات وصولات في التصدي لأهل الأديان والملل والنحل قل أن تجد لها نظيراً في الفرق الكلامية الأخرى، وقد شملت جهودهم في الرد على اليهود والنصارى، وعلى الأديان الوضعية المجوسية والصابئة والزرادشية، والبراهمية، وعلى الزنادقة وغيرهم من المخالفين في الإسلام أو في المذهب (١).

وأخطاء المعتزلة في مجال دراسة الأديان حيث تمت دراسة علم الأديان والملل على ضوء أصولهم الخمسة: فقد آمن المعتزلة بالأصول الخمسة (٢) وأخضعوا نصوص الوحي لهذه الأصول، إما بالتأويل أو برد السنة التي زعموا أنها أحاديث آحاد، ثم قاموا على ضوء تلك الأصول في مقاومة التحديات العقدية التي كان مصدرها من أهل الأديان المختلفة، فالتوحيد أو التنزيه المطلق لله الذي يقصد عند المعتزلة "نفي صفات الرب" كان في مواجهة القول بتعدد الآلهة الذي كان يعتقده النصارى والثنوية، والتجسيم والتشبيه الذي كان معروفاً في عقائد اليهود، والاتحاد والحلول الذي كان مصدره إما عن اليهود وإما عن أديان الهند من البراهمة والبوذية (٣). والخطأ الذي وقع فيه المعتزلة أنهم واجهوا خطأ بخطأ.

أما الأشاعرة فقدموا جهوداً كبيرة في مجال علم الأديان والملل وتمثلت هذه الجهود في مصنفات مستقلة لهذا العلم، وفي مباحث ضمنت في العلوم الأخرى، خاصة في علم الكلام وفي الردود والمناظرات التي كانت تحدث بين أعلام الأشاعرة وبين أتباع الأديان والملل والنحل، ولذلك تجد أن أغلب الكتب التي تكلمت عن الملل والنحل والأديان هي من كتب الأشاعرة ومن ذلك الباقلاني الذي رد على جميع أصناف الأديان والملل والنحل وذلك من خلال كتابه التمهيد، والجويني فقدم جهوداً كثيرة من خلال كتبه الكلامية كالشامل والإرشاد ومن خلال كتابه "شفاء الغليل"، والغزالي الذي ألف في الرد على النصارى، ثم الشهرستاني صاحب الموسوعة ودائرة المعارف في الأديان والفرق، والبغدادي صاحب كتاب الملل والنحل؛ ولكنهم كذلك ردوا الخطأ بالخطأ بناء على عقائدهم في التوحيد والأسماء والصفات وغيره من العقائد. وسيأتي الكلام عن بيان خطاءهم في ذلك في المبحث التالي.


(١) انظر: تاريخ المذاهب الإسلامية لمحمد أبي زهرة، ص ١٣١، دار الفكر العربي ١٩٨٩ م.، مقدمات العلوم والمناهج لأنور الجندي، ص ٢/ ٩٦ - ٩٩، دار الأنصار، القاهرة.
(٢) انظر: الأصول الخمسة عند المعتزلة لعواد المعتق.
(٣) مباحث في منهجية الفكر الإسلامي، د. عبدالمجيد النجار، ص ٨٣، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى.

<<  <   >  >>