للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الضابط الثاني: العلم]

العلم من الأمور الضرورية والضوابط المهمة لمن يشتغل بعلم الأديان، وذلك أن المشتغل بدراسة الأديان إذا لم يكن مؤهلاً لها كان ضرره أكثر من نفعه.

فالعلم من أهم الشروط التي يجب توفرها على من يقوم بوظيفة الدفاع عن الدين، وذلك أن العلم قبل العمل، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (١٩)} [محمد: ١٩] (١)، وقد تنبه الإمام البخاري -رحمه الله- لهذا، فبوب لهذه الآية بقوله: باب العلم قبل القول والعمل (٢).

فالعلم مقدم على القول والعمل، لأنه شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به (٣).

ومن الأدلة الدالة على ذم القول قبل العلم قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (٨)} [الحج: ٨] (٤)، فالآية دلت على ذم المجادل بغير علم، وقال تعالى في ذم أهل الكتاب الذين جادلوا بغير علم: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٦٥) هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٦٦)} [آل عمران: ٦٥ - ٦٦] (٥).

بل نجد أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن من يحكم في الملل، والأديان بغير علم، ولا عدل، أولى بالنار، ممن يقضي بين الناس، في الأموال والدماء والأعراض، بغير علم ولا عدل، فيقول: "ولما كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل، كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفر وأهل البدع بالعلم والعدل، لا بالظن وما تهوى الأنفس، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة، ورجل علم الحق وقضى خلافه فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار) (٦).


(١) سورة محمد الآية: ١٩.
(٢) صحيح البخاري كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل ص ٣٩.
(٣) انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، للحافظ ابن حجر العسقلاني، ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي، ص ٢/ ١٩٣، دار الريان للتراث، الطبعة الثانية.
(٤) سورة الحج الآية: ٨.
(٥) سورة آل عمران الآية: ٦٥ - ٦٦.
(٦) أخرجه أبو داود الحديث رقم ٣٥٧٣، اعتنى به أبو صهيب الكرمي، دار الأفكار، طبعة عام ١٤١٩.

<<  <   >  >>