للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الرابع: مناهج المستشرفين في دراسة علم الأديان والملل وتقويمه]

رغم تعدد اتجاهات المستشرقين واختلاف مشاربهم وتباين مجالاتهم وتفاوت قدراتهم العلمية إلا أنهم في الغالب ينتهون في دراساتهم للملل -خاصة الإسلام- إلى نتائج واحدة، وذلك أنهم ينطلقون من مسلمات واحدة ويصدرون من أسس منهجية خطت لأهداف محددة.

[المطلب الأول: المسلمات التي انطلق منها المستشرقون]

١ - الانطلاق من النصرانية المحرفة كمعيار لتقويم الأديان الأخرى التي هي موضع البحث والدراسة -خاصة الإسلام- بحيث لا تكون هذه الأديان مقبولة ما لم تتفق مع المقولات الرئيسة للنصرانية، واعتبار كلّ ما يشذ عن النموذج الروحي النصراني نقصاً أو قصوراً يعبر عن فساد هذا الدين وضعفه وعدم معقوليته.

٢ - إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو اعتبارها خاصة بالعرب، واعتبار القرآن من تأليفه. فالمستشرقون إما علمانيون لا يؤمنون بالغيب، أو أهل كتاب لا يؤمنون بصدق الرسالة التي أعقبت النصرانية.

٣ - مساواة الدين الإسلامي بغيره من الأديان الوثنية كأديان الهند والصين، والأديان السماوية المحرفة: يقول المستشرق جب: "إن الدين الإسلامي في ذاته واحد من مجموعة الأديان التي تشتمل إلى جانب المجوسية واليهودية والمسيحية، وهو يقاسمها نفس المبادئ الأساسية" (١).

٤ - الانطلاق من نظرة عنصرية عرقية تختزل الإنسانية في عرقين "نحن" و "هم" حيث قسمت شعوب الأرض إلى أجناس راقية وأخرى متخلفة، فالأولى شعوب آرية والثانية شعوب سامية.

٥ - اعتبار الخبرة الأوروبية نموذجاً معياريا للتطور البشري، وقد ساد الدراسات الاستشراقية نوع من المقارنة غير العلمية حيث أخضع تاريخ الإسلام ونظمه الاجتماعية للمعايير الغربية بحيث صارت التجربة الأوروبية تمثل المرجع الذي يجب أن تحتذيه المجتمعات الأخرى.

٦ - الانطلاق من الموقف المعادي للإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فقد كان أكثر المستشرقين ينطلق من منطلق عقدي يؤججه الحقد الصليبي على الإسلام، والتعصب الذي يعمي الأبصار عن الحقائق.

إن الانطلاق من هذه المنطلقات وتلك المسلمات عندهم هي التي أدت بالمستشرقين إلى استخدام أساليب غير علمية ومناهج لا تؤدي إلى نتائج صحيحة في مجال الدراسات الإسلامية.


(١) مناهج علم الكلام في مواجهة القضايا الفكرية المعاصرة، لرزق يوسف، ص ٢٠٢ - ٢٠٣، رسالة دكتوراه في كلية دار العلوم - القاهرة نقلاً عن كتاب وجهة الإسلام: نظرة في الحركات الحديثة في العالم الإسلامي للمستشرق جب، ترجمة محمد عبد الهادي، المطبعة الإسلامية، ١٩٣٣.

<<  <   >  >>