٤ - الاعتماد على الفرضيات والتخمين: إن الاعتماد على الفرضيات والتخمينات سمة مميزة لمنهج الغربيين لدراسة الأديان، وهو أحد الأسباب التي أوقعتهم في الاضطراب المنهجي، وهو الأسلوب المفضل عند المستشرقين في الدراسات الإسلامية، يقول المستشرق مونتجمري وات:"لما كانت معارفنا مبتورة تعتمد على مصادر إسلامية ما عدا النقوش، فهناك مكان كبير للافتراض والتخمين، ولن نعالج هنا هذا الموضوع، يكفي أن نذكر بأنه من المتفق عليه عادة أن عبادة الأوثان لم يعد لها تأثير أيام محمد"(١).
٥ - ادعاء الموضوعية والتجرد: من الأساليب الخادعة التي يستخدمها المستشرقون ادعاء الموضوعية والتجرد عن الأهواء لكن إذا جئنا إلى الواقع لن نجد له أثراً بل العكس هو الصحيح وهو أمر يعترف به المستشرقون أنفسهم، والغريب أنك تجد في أغلب مقدمات مؤلفات المستشرقين الزعم بالتزام الموضوعية في دراستهم للإسلام. بيد أنك لا تخطو خطوة واحدة بعد المقدمة إلا ويفاجئك هذا المستشرق نفسه ما يناقض ادعاءه.
إن المستشرقين تناولوا الأديان بهذه المناهج واستخدموا تلك الأساليب في الدراسات الإسلامية خاصة، فجاءت دراساتهم بالنسبة للإسلام مملوءة بالتشكيك والطعن، والقول ببشرية مصدره.
ومهما يكن من أمر فإن الاستشرق قد مثل في العصر الحديث رأس الحربة التي استخدمها الأعداء ضد الإسلام. ولا تخفى آثاره الخبيثة في الأمة الإسلامية عن أحد، والمؤسف له أن نجد في المسلمين من يمجد مناهج المستشرقين، ويدعي أن منهجهم هو المنهج العلمي الصحيح، ومن المؤسف أن يملأ إنتاج هؤلاء المتعصبين الساحة الإسلامية، وأن يكون منهجهم معياراً للتقويم وللنقد في كثير من المؤسسات العلمية في العالم الإسلامي، وأن يكون "علم الأديان والملل" الذي وظيفته مواجهة تحدي هؤلاء محاكماً في بعض دور العلم على منهج هؤلاء.
والمقصود هنا من بيان منهج المستشرقين هو أن هؤلاء المستشرقين أخطر على الإسلام من أي قوة أخرى، وأنهم دخلوا في هذا المجال وهم ليسوا أهلاً له، لأنهم مجردون عن الموضوعية، والأمانة العلمية، ناهيك بما يضمرون أو يعلنون، للإسلام من حقد وكيد نابع عن عداء عقدي قديم قدم هذا الدين، ومع ذلك -وللأسف الشديد- لن نعدم من بين المسلمين من يمجد هذا المنهج، ويجمع له ألواناً من المدح والثناء، ويجعله معياراً وميزاناً للبحوث العلمية، حتى العلوم الشرعية كعلم الأديان والملل الذي وظيفته الدفاع عن الدين.
إن الخروج عن تبعية وتقليد الأعداء ليفرض علينا أن نعود إلى أصالتنا، وذلك بالعودة إلى الإسلام، والتحرر عن المناهج الوافدة، وإذا كان من أخطر المناهج الوافدة علينا منهج دراسة الأديان، أو تاريخ الأديان، أو مقارنة الأديان حسب ما يسمونه في الغرب لكونه يهتم دراسة هذا الدين عقيدة، وشريعة، وسياسة وغيرها، فإن ذلك ليضع علم الملل، وتصحيح نهجه في بداية سلم منظومتنا الإسلامية، ولن يتم هذا التصحيح إلا بالعودة إلى الضوابط الشرعية التي قررها أهل العلم، وبالتحرر عن مناهج الغرب جملة وتفصيلاً، ولن يكون التحرر كاملاً إلا إذا جاء بديل في هذا المجال من موسوعات علمية، ودوائر معارف، تغني الباحثين عن المصادر الغربية.
(١) محمد في مكة، مونتجمري وات ترجمة شعبان بركات، ص ٥١، المكتبة العصرية، بيروت.