للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: الأسس المنهجية لدراسة الأديان والملل عند أهل الكلام ونقدها]

[أولاً: مصادر الاستدلال عند المخالفين]

المقرر في هذه المسألة عند أغلب الفرق أن مصادر الاستدلال هي: نفس مصادر أهل السنة، قال زعيم المعتزلة واصل مبيناً مصادر الاستدلال: "إن الحق يعرف من وجوه أربعة: كتاب ناطق، وخبر مجمع عليه، وحجة عقل، أو إجماع من الأمة" (١). وورد في شرح الأصول الخمسة: أن الأدلة أربعة: حجة العقل، والكتاب والسنة والإجماع (٢). هذا عند المعتزلة أما إذا جئنا إلى الأشاعرة فنجدهم يزيدون على الأربعة السابقة مصدراً آخر وهو القياس (٣). ولكن بعضهم ردّ القياس إلى النص والإجماع فانحصرت الأدلة عنده بالأربعة الأخرى (٤).

وهي من الناحية النظرية قريبة إلى منهج أهل السنة وإن خالفت في التفريق بين الأحاديث المتواترة والآحاد، لكن إذا انتقلنا إلى موقف أهل الأهواء من دلالة النصوص وكيفية ترتيبها والاستدلال بها نجد أنه مخالف لمنهج أهل السنة؛ بحيث قدموا العقل على النقل، عارضوا النصوص الشرعية بالعقل إلى غير ذلك.

[ثانياً: تقديم العقل على النقل]

يخالف المعتزلة والأشاعرة وغيرهم من المبتدعة أهل السنة في ترتيب مصادر الاستدلال وفي حجية دلالتها، حيث قدموا العقل على النقل.

ومن ثم فلا يصح الاستدلال بدليل سمعي على أية مسائل من المسائل الكلامية المتعلقة بوجود الله تعالى وصفاته وكل ما تتوقف عليه صحة النبوة.

بل لقد بلغ الشطط ببعض المتكلمين حيث حاولوا توهين الدليل السمعي وإضعافه مطلقاً كتاباً كان أو سنة في قضايا العقيدة، وتقديم الدليل العقلي عليه، كما فعل الرازي حيث قال: "إن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين أو القطع زاعماً أن "الأدلة اللفظية مبنية على مقدمات ظنية والمبني على المقدمات الظنية ظني: فالاستدلال بالخطاب لا يفيد إلا الظن" (٥).


(١) انظر: نشأة الفكر الفلسفي في الإٍسلام د. علي سامي النشار ١/ ٤٠٣، دار المعارف، الطبعة الثلاثة.
(٢) شرح الأصول الخمسة، لعبدالجبار بن أحمد المعتزلي، تحقيق عبدالكريم عثمان، ص ٨٨، مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الأولى.
(٣) انظر: الإحكام في أصول الأحكام الآمدي ١/ ١٣٥، تحقيق إبراهيم العجوز، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى.
(٤) انظر: المصدر السابق ١/ ١٣٦.
(٥) المحصول في علم أصول الفقه، للفخر الرازي تحقيق د. طه جابر العلواني، ص ١/ ٥٤٧، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ١٣٩٩.

<<  <   >  >>