للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَتقول مَا أحسن إنْسَانا قَامَ إِلَيْهِ زيد وَمَا أقبح بِالرجلِ أَن يفعل كَذَا فالرجل الْآن شَائِع وَلَيْسَ التَّعَجُّب مِنْهُ وَإِنَّمَا التَّعَجُّب من قَوْلك أَن يفعل كَذَا كنحو مَا أقبح بِالرجلِ أَن يشْتم النَّاس تَقْدِيره مَا أقبح شتم النَّاس بِمن فعله من الرِّجَال

وَلَو قلت مَا أحسن رجلا إِذا طلب مَا عِنْده أعطَاهُ كَانَ هَذَا الْكَلَام جَائِزا وَلم يكن أحسن وَإِن نصب رجلا وَاقعا عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ وَاقع على فعله وَإِنَّمَا جَازَ أَن يُوقع التَّعَجُّب عَلَيْهِ وَهُوَ يُرِيد فعله لِأَن فعله بِهِ كَانَ وَهُوَ الْمَحْمُود عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَة والمذموم كَقَوْلِك رَأَيْت زيدا يضْرب عمرا ثمَّ تَقول رَأَيْت ضرب زيد عمرا فالضرب لَا يرى وَإِنَّمَا رَأَيْت الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ وَرَأَيْت الْفَاعِل يَتَحَرَّك وَذَلِكَ المتحرك يدل على نوع الْحَرَكَة فَأَما الْحَرَكَة نَفسهَا فَلَا ترى لِأَن المرئي لَا يكون إِلَّا جسما ملونا

وَلَو قلت مَا أَكثر هِبتك الدَّنَانِير وإطعامك الْمَسَاكِين كنت قد أوقعت التَّعَجُّب بِالْفِعْلِ واتصل بِهِ التَّعَجُّب من كَثْرَة الْمَفْعُول وَهُوَ الطَّعَام وَالدَّنَانِير الَّتِي يَهَبهَا فكأنك قلت مَا أَكثر الدَّنَانِير الَّتِي تهبها وَالطَّعَام الَّذِي تطعمه وَإِن أردْت هَذَا التَّقْدِير

وَإِن أردْت أَن هِبته أَو طَعَامه يَفْعَلهَا كثيرا إِلَّا أَن ذَلِك يكون نزرا فِي كل مرّة جَازَ وَكَانَ وَجه الْكَلَام أَلا يَقع التَّعَجُّب على هَذَا لِأَن هَذَا شَبيه بالإلغاز لِأَن قصد التَّعَجُّب الْكَثْرَة فَإِذا تؤول على الْقلَّة فقد زَالَ معنى التَّعَجُّب وَلَكِن بعض الْأَشْيَاء يدل على بعض

أَلا ترى أَنَّك تَقول مَا جَاءَنِي غير زيد وتريد مَا جَاءَنِي إِلَّا زيد

وَقد يجوز أَلا يكون زيد جَاءَك غير زيد فَإِنَّمَا زعمت أَن غَيره لم يأتك فَجَائِز أَن يكون أَيْضا مَا جَاءَك إِلَّا أَنَّك أَمْسَكت عَن الْخَبَر فِيهِ وَلِهَذَا مسَائِل غامضة تَأتي فِي موضعهَا إِن شَاءَ الله

<<  <  ج: ص:  >  >>