(هَذَا بَاب مذ، ومنذ)
أما (مذ) فَيَقَع الِاسْم بعْدهَا مَرْفُوعا على معنى، ومخفوضا على معنى فَإِذا رفعت فهى اسْم مُبْتَدأ وَمَا بعْدهَا خَبره، غير أَنَّهَا لَا تقع إِلَّا فى الِابْتِدَاء لقلَّة تمكنها وَأَنَّهَا لَا معنى لَهَا فى غَيره، وَذَلِكَ قَوْلك: لم آته مذ يَوْمَانِ، وَأَنا أعرفهُ ثَلَاثُونَ سنة، وكلمتك مذ خَمْسَة أَيَّام وَالْمعْنَى - إِذا قلت: لم آته مذ يَوْمَانِ -: أَنَّك قلت: لم أره؟ ثمَّ خبرت بالمقدار والحقيقة والغاية فكأنك قلت: مُدَّة ذَلِك يَوْمَانِ وَالتَّفْسِير: بينى وَبَين رُؤْيَته هَذَا الْمِقْدَار، فَكل مَوضِع يرفع فِيهِ مَا بعْدهَا فَهَذَا مَعْنَاهُ وَأما الْموضع الذى ينخفض مَا بعْدهَا فَأن تقع فى معنى (فى) وَنَحْوهَا؛ فَيكون حرف خفض وَذَلِكَ قَوْلك: أَنْت عندى مذ الْيَوْم، ومذ اللَّيْلَة، وَأَنا أَرَاك مذ الْيَوْم يَا فَتى، لِأَن الْمَعْنى فى الْيَوْم وفى اللَّيْلَة وَلَيْسَ الْمَعْنى أَن بينى وَبَين رؤيتك مَسَافَة، وَكَذَلِكَ: رَأَيْت زيدا مذ يَوْم الْجُمُعَة يمدحك، وَأَنا / أَرَاك مذ سنة تَتَكَلَّم فى حَاجَة زيد؛ لِأَنَّك تُرِيدُ أَنا فى حَال رؤيتك مذ سنة فَإِن أردْت: رَأَيْتُك مذ سنة، أى: غَايَة الْمسَافَة إِلَى هَذِه الرُّؤْيَة سنة - رفعت؛ لِأَنَّك قلت: رَأَيْتُك، ثمَّ قلت: بينى وَبَين ذَاك سنة، فَالْمَعْنى: أَنَّك رَأَيْته، ثمَّ غبرت سنة لَا ترَاهُ وَإِذا قَالَ: أَنا أَرَاك مذ سنة، فَإِنَّمَا الْمَعْنى أَنَّك فى حَال رُؤْيَة لم تنقض وَأَن أَولهَا مذ سنة؛ فَلذَلِك قلت: أَرَاك؛ لِأَنَّك تخبر عَن حَال لم تَنْقَطِع فَهَذَا شَرط (مذ) وتفسيرها
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute