أَنَّهَا حرف فَقَالُوا مَا منطلق زيد لِأَنَّهَا ترجع إِلَى أَن الْكَلَام ابْتِدَاء وَخبر فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك قَائِم زيد وَأَنت تُرِيدُ زيد قَائِم لَا يكون التَّقْدِيم إِلَّا على ذَلِك لِأَن لَيْسَ فعل وَهَذِه لَيست بِفعل تَقول لست ولسنا وَلَيْسوا ولسن وَلَا يكون شَيْء من هَذِه الْإِضْمَار فِي مَا وَلَكِن لما أشبهت الْفِعْل جرت مجْرَاه مَا كَانَ على مجْرَاه وَفِي مَوْضِعه فَلَمَّا فَارَقت ذَلِك لم يجز النَّقْض فِيهَا وَالتَّصَرُّف لِأَنَّهَا فِي نَفسهَا غير متصرفة وَلَا مُحْتَملَة ضميرا
أَلا ترى أَنَّك تَقول إِن زيدا منطلق وَلَو قدمت الْخَبَر لم تقل إِن منطلق زيدا لِأَنَّك لَا تجْعَل الْحُرُوف غير المتصرفة كالأفعال المتصرفة وَلَو فعلت ذَلِك للزمك أَن تصرفها فِي أَنْفسهَا وَهَذَا محَال
فَأَما تَقْدِيم الْخَبَر فقولك مَا منطلق زيد وَمَا مسيء من أَعتب
فَإِنَّمَا قدمت على حد قَوْلك مَا زيد منطلق وَلَو أردْت التَّقْدِيم على قَوْلك مَا زيد مُنْطَلقًا لم يجز كَمَا لَا يجوز إِن منطلق زيدا
وَهَذَا قَول مغن فِي جَمِيع الْعَرَبيَّة كل مَا كَانَ متصرفا عمل فِي الْمُقدم والمؤخر وَإِن لم يكن متصرفا لم يُفَارق مَوْضِعه لِأَنَّهُ مدْخل على غَيره
وَأما نقض الْخَبَر فقولك مَا زيد إِلَّا منطلق لِأَنَّك نفيت عَنهُ كل شَيْء إِلَّا الانطلاق فَلم تصلح مَا أَن تكون عاملة فِي نقض النَّفْي كَمَا لم تعْمل فِي تَقْدِيم الْخَبَر
قَالَ الله عز وَجل {وَمَا أمرنَا إِلَّا وَاحِدَة كلمح} و {مَا هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ} وَقَالَ حَيْثُ كَانَت فِي موضعهَا {مَا هَذَا بشرا} و {مَا هن أمهاتهم}
فَهَذَا أَصْلهَا الَّذِي شرحنا وسنفرد بَابا للمسائل إِذْ كَانَت لَا تصح إِلَّا بعد الْفَرَاغ من الْأُصُول