للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَإِن قَالَ قَائِل فَهَلا كَانَ الشَّرْح أَن تؤمنوا لِأَنَّهُ بدل من تِجَارَة فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الْفِعْل يكون دَلِيلا على مصدره فَإِذا ذكرت مَا يدل على الشَّيْء فَهُوَ كذكرك إِيَّاه أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ من كذب كَانَ شرا يُرِيدُونَ كَانَ الْكَذِب وَقَالَ الله عز وَجل {ولَا يَحْسَبٍ نَّ الذِين يَبْخَلونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضلهِ هَوَ خَيراً لَهُمْ} لِأَن الْمَعْنى الْبُخْل هُوَ خير لَهُم فَدلَّ عَلَيْهِ بقوله يَبْخلُونَ وَقَالَ الشَّاعِر

(أَلا أيُهذا الزاجِري أخْضُرَ الوَغى ... وأنْ أشهدَ اللذاتِ هلْ انتَ مُخَلَدِي)

فَالْمَعْنى عَن أَن أحضر الوغى كَقَوْلِك عَن حُضُور الوغى فَلَمَّا ذكر أحضر الوغى دلّ على الْحُضُور وَقد نَصبه قوم على إِضْمَار أَن وَقدمُوا الرّفْع وَسَنذكر ذَلِك باستقصاء الْعلَّة فِيهِ إِن شَاءَ الله فَأَما الرّفْع فَلِأَن الْأَفْعَال لَا تضمر عواملها فَإِذا حذفت رفع الْفِعْل وَكَانَ دَالا على مصدره بِمَنْزِلَة الْآيَة وَهِي {هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم من عَذَاب أَلِيم} ثمَّ قَالَ {تُؤمِنونِ} وَكَذَلِكَ لَو قَالَ قَائِل مَاذَا يصنع زيد فَقلت يَأْكُل أَو يُصَلِّي لأغناك عَن أَن تَقول الْأكل أَو الصَّلَاة الا ترى أَن الْفِعْل إِنَّمَا مَفْعُوله اللَّازِم لَهُ إِنَّمَا هُوَ الْمصدر لِأَن قَوْلك قد قَامَ زيد بِمَنْزِلَة قَوْلك قد كَانَ مِنْهُ قيام وَالْقِيَام هُوَ النَّوْع الَّذِي تعرفه وتفهمه وَلَو قلت ضرب زيد لعَلِمت أَنه قد فعل ضربا واصلا إِلَى مَضْرُوب إِلَّا أَنَّك لَا نَعْرِف الْمَضْرُوب بقوله ضرب وتعرف الْمصدر فَأَما الَّذين نصبوا فَلم يأبوا الرّفْع وَلَكنهُمْ أَجَازُوا مَعَه النصب لِأَن الْمَعْنى إِنَّمَا حَقه بِأَن وَقد ابان ذَلِك فِيمَا بعده بقوله وَأَن أشهد اللَّذَّات هِيَ أَنْت مخلدي فَجعله بِمَنْزِلَة الْأَسْمَاء الَّتِي يَجِيء بَعْضهَا محذوفا للدلالة عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>