فَأَما قَول الله عز وَجل: {اآم تَنْزِيلُ الكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبَّ العَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} وَقَوله: {أَم تَسْأَلُهُمْ أَجْراً} ، وَمَا كَانَ مثله؛ نَحْو قَوْله عز وَجل: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخلُقُ بَنَاتٍ} فَإِن ذَلِك لَيْسَ على جِهَة الِاسْتِفْهَام؛ لِأَن المستخبر غير عَالم، إِنَّمَا يتَوَقَّع الْجَواب فَيعلم بِهِ وَالله - عز وَجل - منفى عَنهُ ذَلِك وَإِنَّمَا تخرج هَذِه الْحُرُوف فى الْقُرْآن مخرج التوبيخ والتقرير، وَلكنهَا لتكرير توبيخ بعد توبيخ عَلَيْهِم أَلا ترَاهُ يَقُول عز وَجل: {أَفَمَنْ يُلْقَى فى النَّارِ خَيْرٌ أَم مَن يَأْتى آمِنًا يَوْمَ القِيَامَةِ} / - وَقد علم المستمعون كَيفَ ذَلِك - ليزجرهم عَن ركُوب مَا يُؤدى إِلَى النَّار، كَقَوْلِك للرجل: السَّعَادَة أحب إِلَيْك أم الشَّقَاء؛ لتوقفه أَنه على خطأ وعَلى مَا يصيره إِلَى الشَّقَاء، وَمن ذَلِك قَوْله: {أَلَيْسَ فى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتكَبَّرِينَ} كَمَا قَالَ:
(ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى الْعَالمين بطُون رَاح)
وَأَنت تعلم أَنه لم يستفهم، وَلَكِن قررهم بِأَنَّهُم كَذَلِك وَأَنه قد ثَبت لَهُم، فمجاز هَذِه الْآيَات - وَالله أعلم -: أيقولون افتراه؟ على التوبيخ لَهُم، وَأَنَّهُمْ قَالُوا، فنبه الرَّسُول وَالْمُسْلِمين على إفكهم، وَترك خَبرا إِلَى خبر لَا على جِهَة الإضراب، وَلَكِن جِهَة تَكْرِير خبر بعد خبر: كَمَا يَقع أَمر بعد زجر، وَأمر بعد أَمر للترغيب، والترهيب وَالله أعلم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute