للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحسن الاستفسار فيه فيقال: أردت بالأمر واحدة أم دائما؛ ولذلك قال سراقة للنبي -صلى الله عليه وسلم: أحجنا هذا لعامنا أم للأبد؟ مع أنه من أهل اللسان وأقره عليه، فلو كان الأمر موضوعا في لسان العرب للتكرار أو للمرة لاستغنى عن الاستفسار، وجوابه أن ما قاله ممنوع فإنه قد يستفسر عن أفراد المتواطئ كما إذا قال: أعتق رقبة فتقول: أمؤمنة أم كافرة؟ سليمة أم معيبة؟ قال: "الخامسة: الأمر المعلق بشرط أو صفة، مثل {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] لا يقتضي التكرار لفظا ويقتضيه قياسا، أما الأول فلأن ثبوت الحكم مع الصفة أو الشرط يحتمل التكرار وعدمه, ولأنه لو قال: "إن دخلت الدار فأنت طالق" لم يتكرر، وأما الثاني فلأن الترتيب يفيد العلية فيتكرر الحكم بتكررها، وإنما لم يتكرر الطلاق لعدم اعتبار تعليله". أقول: الأمر المعلق بشرط كقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] أو بصفة كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] يقتضي تكرار المأمور به عند تكرر شرطه أو صفته, إن قلنا: الأمر المطلق يقتضيه, فإن قلنا: إنه لا يقتضيه ولا يدفعه فهل يقتضيه هنا؟ فيه ثلاثة مذاهب, أحدها: يقتضيه من جهة اللفظ أي: إن هذا اللفظ قد وضع للتكرار. والثاني: لا يقتضيه أي: لا من جهة اللفظ ولا من جهة القياس, وهذا هو القائل بأن ترتيب الحكم على الوصف لا يدل على العلية. والثالث: أنه لا يقتضيه لفظا ويقتضيه من جهة ورود الأمر بالقياس, قال في المحصول: وهذا هو المختار؛ فلذلك جزم به المصنف واختار الآمدي وابن الحاجب أنه لا يدل عليه, قالا: ومحل الخلاف فيما لم يثبت كونه علة كالإحصان, فإن ثبت كالربا فإنه يتكرر بتكرر علته اتفاقا وهذا منافٍ لكلام الإمام حيث مثل بالسرقة والجنابة مع أنه قد ثبت التعليل بهما. قوله: "أما الأول" أي: الدليل على الأول وهو أنه لا يقتضي التكرار لفظا من وجهين, أحدهما: أن ثبوت الحكم مع الصفة أو الشرط يحتمل التكرار وعدمه, فإن اللفظ إنما دل على تعليق شيء على شيء وهو أعم من تعليقه عليه في كل الصور أو في صورة واحدة بدليل صحة تقسيمه إليهما والأعم لا يدل على الأخص فلزم من ذلك أن التعليق لا يدل على التكرار. الثاني: أنه لو قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق, فإن الطلاق لا يتكرر بتكرر الدخول ولو كان يدل عليه من جهة اللفظ لكان يتكرر كما لو قال: كلما, لكن هذا الدليل من باب تعليق الإنشاء على الشرط وكلامنا في تعليق الأمر فينبغي أن يقال: وإذا ثبت في هذا ثبت في ذلك القياس أو يمثل بقوله لوكيله: طلق زوجتي إن دخلت الدار, نعم إن كان تعليق الخبر والإنشاء كتعليق الأمر في ثبوت الخلاف حصل المقصود, لكن كلام الآمدي في الأحكام يقتضي أن الإنشاء لا يتكرر اتفاقا وصرح به في الخبر كقولنا: إن جاء زيد, جاء عمرو. وأما الدليل على الثاني وهو أنه يقتضي التكرار قياسا فلأن ترتيب الحكم على الصفة أو الشرط يفيد علية الشرط أو الصفة لذلك الحكم, كما سيأتي في القياس فيتكرر الحكم بتكرر ذلك؛ لأن

<<  <   >  >>