للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعلول يتكرر بتكرر علته. قوله: "وإنما لم يتكرر الطلاق" جواب عن سؤال مقدر وتوجيه السؤال أن يقال: لو كان تعليق الحكم بالشرط دالا على تكراره بالقياس لكان يلزم تكرار الطلاق بتكرار القيام فيما إذا قال: إن قمت فأنت طالق وليس كذلك. وجوابه أن تعبيره بذلك دال على أنه جعل القيام علة للطلاق ولكن المعتبر تعليل الشارع؛ لأن وقوع الطلاق حكم شرعي وآحاد الناس لا عبرة بتعليلهم في أحكام الله تعالى؛ لأن من نصب علة الحكم فإنما يتكرر حكمه بتكرر علته لا حكم غيره؛ فلذلك لم يتكرر الطلاق منه؛ ألا ترى أنه لو صرح بالتعليل فقال: طلقها لقيامها, لم تطلق امرأة أخرى له قامت. قال: "السادسة: الأمر المطلق لا يفيد الفور خلافا للحنفية، ولا التراخي خلافا لقوم, وقيل: مشترك لنا ما تقدم قيل: إنه تعالى ذم إبليس على الترك ولو لم يقتض الفور لما استحق الذم قلنا: لعل هناك قرينة عيّنت الفورية قيل: {وَسَارِعُوا} [آل عمران: ١٣٣] يوجب الفور, قلنا: فمنه لا من الأمر، قيل: لو جاز التأخير فإما مع بدل فيسقط، أو لا معه فلا يكون واجبا. وأيضا إما أن يكون للتأخير أمد وهو إذا ظن فواته وهو غير شامل؛ لأن كثيرا من الشبان يموتون فجأة، أو لا فلا يكون واجبا، قلنا: منقوض بما إذا صرح به، قيل: النهي يفيد الفور فكذا الأمر, قلنا: لأنه يفيد التكرار". أقول: الأمر المجرد عن القرائن إن قلنا: إنه يدل على التكرار دل على الفور، وإن قلنا: لا يدل على التكرار فهل يدل على الفور أم لا؟ حكى المصنف فيه أربعة مذاهب, أحدها: أنه لا يدل على الفور ولا على التراخي بل يدل على طلب الفعل. قال في البرهان: وهذا ما ينسب إلى الشافعي وأصحابه, وقال في المحصول: إنه الحق, واختاره الآمدي وابن الحاجب والمصنف. والثاني: أنه يفيد الفور أي: وجوبا وهو مذهب الحنفية. والثالث: أنه يفيد التراخي أي: جوازا. قال الشيخ أبو إسحاق: والتعبير بكونه يفيد التراخي غلط، وقال في البرهان: إنه لفظ مدخول, فإن مقتضى إفادته التراخي أنه لو فرض الامتثال على الفور لم يعتد به, وليس هذا معتقد أحد. نعم حكى ابن برهان عن غلاة الواقفية أنا لا نقطع بامتثاله بل يتوقف فيه إلى ظهور الدلائل لاحتمال إرادة التأخير, قال: وذهب المقتصدون منهم إلى القطع بامتثاله، وحكاه في البرهان أيضا. والرابع هو مذهب الواقفية: أنه مشترك بين الفور والتراخي, ومنشأ الخلاف في هذه المسألة كلامهم في الحج. قوله: "لنا ما تقدم" أي: في الكلام على أن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، وأشار إلى أمرين أحدهما: أنه يصح تقييده بالفور وبالتراخي من غير تكرار ولا نقض. والثاني: أنه ورد الأمر مع الفور ومع عدمه, فيجعل حقيقة في القدر المشترك وهو طلب الإتيان به دفعا للاشتراك والمجاز, وقد تقدم الكلام في هذين الدليلين وما فيهما مبسوطا, وقد تقدم هناك دليل ثالث لا يأتي هنا. قوله: "قيل: إنه تعالى" أي: استدل القائلون بأن الأمر يفيد الفور بأربعة أوجه، أحدها: أنه تعالى ذم إبليس -لعنه الله- على ترك السجود لآدم -عليه السلام- بقوله: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}

<<  <   >  >>