للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الأعراف: ١٢] كما تقدم بسطه في الكلام على أن الأمر للوجوب, فلو لم يكن الأمر للفور لما استحق الذم ولكان لإبليس أو يقال: إنك ما أوجبته على الفور ففيم الذم؟ وأجاب المصنف تبعا للإمام بأنه يحتمل أن يكون ذلك الأمر مقرونا بما يدل على أنه للفور، وفي الجواب نظر لأن الأصل عدم القرينة وقد تمسك المصنف بهذه الآية على أن الأمر للوجوب، مع أن ما قاله بعينه يمكن أن يقال له: فما كان جوابا له كان جوابا لهم, بل الجواب أن يقول: ذلك الأمر الوارد وهو قوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: ٢٩] وفيه قرينتان دالتان على الفور, إحداهما: الفاء والثانية: أن فعل الأمر "هو قوله تعالى: {فَقَعُوا} " عامل في إذا؛ لأن إذا ظرف، والعامل فيها جوابها على رأي البصريين، فصار التقدير: فقعوا له ساجدين وقت تسويتي إياه. الدليل الثاني: أن قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} [آل عمران: ١٣٣] الآية يوجب كون الأمر للفور؛ لأن الله تعالى أمر بالمسارعة والمسارعة هي التعجيل فيكون التعجيل مأمورا به وقد تقدم أن الأمر للوجوب فتكون المسارعة واجبة، ولا معنى للفور إلا ذلك، ثم إن حمل المغفرة على حقيقتها غير ممكن؛ لأنها فعل الله تعالى فيستحيل مسارعة العبد إليها فحمل على المجاز, وهو فعل المأمورات لكونها سببا للمغفرة، فأطلق اسم المسبب وأريد به السبب. والجواب: أنا لا نسلم أن الفورية مستفادة من الأمر, بل إيجاب الفور مستفاد من قوله تعالى: {وَسَارِعُوا} لا من لفظ الأمر وتقرير هذا الكلام من وجهين أحدهما: أن حصول الفورية ليس من صيغة الأمر بل من جوهر اللفظ؛ لأن لفظ المسارعة دال عليه كيفما تصرف. الثاني وهو تقرير صاحب الحاصل: أن ثبوت الفور في المأمورات ليس مستفادا من مجرد الأمر بها بل من دليل منفصل وهو قوله تعالى: {وَسَارِعُوا} ، ولك أن تقلب هذا الدليل فتقول: الآية معنى دال على عدم الفور؛ لأن المسارعة مباشرة الفعل في وقت مع جواز الإتيان به في غيره، وأيضا فالمقتضى أن المضمر لصحة الكلام لا عموم له كما سنعرفه في العموم، فيختص ذلك بما اتفق على وجوب تعجيله ولا يعم كل مأمور. الدليل الثالث: لو لم يكن الأمر للفور لكان التأخير جائزا، لكنه لا يجوز لأمرين, أحدهما: أن جوازه إن كان مشروطا بالإتيان ببدل يقوم مقامه وهو العزم على رأي من شرطه فيلزم سقوطه لأن البدل يقوم مقام المبدل، وإن كان جائزا بدون بدل فيلزم أن لا يكون واجبا؛ لأنه لا معنى لغير الواجب إلا ما جاز تركه بلا بدل. الثاني: أن التأخير إما أن يكون له أمد معين لا يجوز للمكلف إخراجه عنه أم لا، وكل من القسمين باطل. أما الأول فلأن القائلين به اتفقوا على أن ذلك الأمد المعين هو ظن الفوات على تقدير الترك, إما لكبر السن أو للمرض الشديد، وذلك الأمر غير شامل للمكلفين؛ لأن كثيرا من الشبان يموتون فجأة ويقتلون غيلة, فيقتضي ذلك عدم الوجوب عليهم في نفس الأمر؛ لأنه لو كان واجبا لامتنع تركه، والفرض أنا جوزنا له الترك في كل الأزمان المتقدمة على

<<  <   >  >>