للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينظر فيها إن كانت معدودة أي: محصورة لا تتناول ما عداها فهو العدد كخمسة، وإن كانت غير معدودة بل مستوعبة لكل جزء من جزئيات تلك الحقيقة أي: لكل فرد من أفرادها فهو العام كالمشركين، وهذه العبارة التي في العام أخذها المصنف من الحاصل, فإنه عدل عن قول الإمام وعليها مع كثرة غير معينة إلى ما قلناه؛ لأنه يرد عليه الجمع المنكر كقولنا: رجال, فتابعه المصنف عليه وهو من محاسن الكلام, وما أورده بعضهم عليه فلا وجه له، ويؤخذ منه حد آخر للعام غير المذكور أولا, ومنه أخذ القرافي حده حيث قال: هو اللفظ الموضوع لمعنى كلي يفيد التتبع في محاله, وكلامه يقتضي أنه اخترعه. واعلم أن هذا التقسيم ضعيف لوجوه, أحدها: أنه يقتضي أن العدد والمعرفة والعام متقابلات أي: لا يصدق أحدها على الآخر؛ لأن هذا شأن التقسيم وليس كذلك، فإن العام والعدد قد يكونان معرفتين كالرجال والخمسة, ونكرتين نحو: كل رجل وخمسة, فتداخلت الأقسام. الثاني: أن اعتبار الوحدة في مدلول المعرفة والنكرة يوجب خروج نحو الرجلين والرجال عن حد المعرفة, وخروج نحو رجلين ورجال عن حد النكرة وهو باطل، ولم يذكر ذلك غير صاحب الحاصل والتحصيل.

الثالث: أن العدد في قولنا: خمسة رجال مثلا, إنما هو الخمسة وحدها بلا نزاع، والرجال هو المعدود، وكلامه يقتضي أن العدد إما اسم للمجموع أو للرجال فقط، وهو الأقرب لكلامه، فإن الرجال لفظ دال على الحقيقة وعلى وحدات معدودة بالخمس، فإنا عددناها بها، وأيضا فإن المعدود مشتق من العدد فيتوقف معرفته على معرفته, فكيف يؤخذ في التقسيم الذي يحصل منه تعريفه؟ وعبر الإمام في المحصول والمعالم بقوله: معينة، ولكن أبدله في الحاصل بقوله: معدودة فتبعه المصنف عليه. قال: "الثانية: العموم, إما لغة بنفسه كأي للكل ومن للعالمين وما لغيرهم، وأين للمكان، ومتى للزمان, أو بقرينة في الإثبات كالجمع المحلى بالألف واللام، والمضاف, وكذا اسم الجنس أو النفي كالنكرة في سياقه أو عرفا مثل {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٣٤] فإنه يوجب حرمة الاستمتاعات, أو عقلا كترتيب الحكم على الوصف, ومعيار العموم جواز الاستثناء فإنه يخرج ما يجب اندراجه لولاه وإلا لجاز من الجمع المنكر, قيل: لو تناول لامتنع الاستثناء لكون نقضا, قلنا: منقوض بالاستثناء من العدد، وأيضا استدلال الصحابة -رضي الله عنهم- بعموم ذلك في مثل: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: ٢] {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: ١١] "وأمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" ١ و "الأئمة من قريش" ٢، "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" ٣ "شائعا من غير نكير"". أقول: العموم إما أن يكون لغة، أو عرفا، أو عقلا. القسم الأول وهو المستفاد من وضع اللغة له حالان, أحدهما: أن يكون عاما


١ أخرجه ابن حبان في صحيحه، حديث رقم ١٧٤، ص٣٩٩، جـ١, وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان.
٢ أخرجه الإمام أحمد في مسنده "٣/ ١٢٣١٥".
٣ ذكره ابن كثير في البداية والنهاية "٤/ ٢٠٣" و"٣/ ٣٦٤".

<<  <   >  >>