للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أشخاص أخر فيعمل به, فالتوفية بعموم الأشخاص أن لا يبقى شخص إلا ويدخل، والتوفية بالإطلاق أن لا يتكرر الحكم في الشخص الواحد، ولقائل أن يقول: عدم التكرار معلوم من كون الأمر لا يقتضي التكرار. الثاني: دلالة العموم قطعية عند الشافعي -رحمه الله- والمعتزلة أيضا، وظنية عند أكثر الفقهاء, هكذا نقله الإبياري شارح البرهان وهي فائدة حسنة، وممن نقله عنه الأصفهاني شارح المحصول، وذكر الماوردي نحوه أيضا، فقال: واختلف المعممون في أن ما زاد على أقل الجمع هل هو من باب النصوص أو من باب الظواهر؟ وذكر في البرهان في أول العموم عن الشافعي نحوه أيضا. وقوله: "ومعيار العموم ... إلخ" اعلم أن الشافعي رضي الله عنه وكثيرا من العلماء ذهبوا إلى أن ما سبق ذكره من الصيغ حقيقة في العموم مجاز في الخصوص, واختاره ابن الحاجب وذهب جماعة إلى العكس, وقال جماعة: إنها مشتركة بينهما, وآخرون بالوقف وهو عدم الحكم بشيء، واختاره الآمدي وقيل بالوقف في الأخبار والوعد والوعيد دون الأمر والنهي, واختار المصنف مذهب الشافعي، واستدل عليه بوجهين أحدهما: جواز الاستثناء؛ وذلك لأن هذه الصيغ يجوز أن يستثنى منها ما شئناه من الأفراد، والاستثناء إخراج ما لولاه لوجب اندراجه في المستثنى منه، فلزم من ذلك أن تكون الأفراد كلها واجبة الدخول ولا معنى للعموم إلا ذلك، أما المقدمة الأولى فبالاتفاق، وأما الثانية فلأن الدخول لو لم يكن واجبا بل جائزا لكان يجوز الاستثناء من الجمع المنكر، فتقول: جاء رجال إلا زيدا, وقد نص النحاة على منعه، نعم قالوا: إن كان المستثنى منه مختصا جاز نحو: جاء رجال كانوا في دارك إلا زيدا منهم أو رجلا منهم، والتعليل الذي ذكره المصنف يدفع إيراد هذه الصورة, ولم يصرح الإمام ولا أتباعه كصاحب الحاصل بامتناع الاستثناء من النكرة، بل صرحوا بجوازه في غير موضع من هذه المسألة, وما قاله المصنف هو الصواب، لكن في هذا الدليل كلام تقدم في أدلة من قال: إن الأمر للتكرار، ولقائل أن يقول: لو كان جواز الاستثناء معيار العموم لكان العدد عاما وليس كذلك، واعترض الخصم عليه بأنه لو وجب أن يتناوله لامتنع الاستثناء؛ لأن المتكلم دل بأول كلامه على أن المستثنى داخل فيه، ودل بالاستثناء على عدم دخوله وذلك نقض للأول, وأجاب المصنف بأن ما ذكرتموه من الدليل ينتقض بالاستثناء من العدد، فإن المستثنى داخل في المستثنى منه قطعا، وللخصم أن يقول: لا أسلم جواز الاستثناء من العدد، فإن مذهب البصريين المنع لكونه نصا كما حكاه عنهم ابن عصفور في شرح المقرب وغيره، قال: إلا أن يكون العدد مما يستعمل في المبالغة كالألف والسبعين فيجوز، نعم الاعتراض نفسه ضعيف أو باطل, فإن المصنف لم يدع وجوب الاندراج مع كونه مستثنى بل ادعاه عند عدمه، ولهذا قال: ما يجب اندراجه لولاه، وأيضا فإن المستثنى داخل في المستثنى منه لغة لا منه فلا تناقض؛ لأن الصحيح أن الحكم على المستثنى منه إنما هو بعد إخراج المستثنى. قوله: "وأيضا" أي: الدليل الثاني: استدلال الصحابة بعموم هذه الصيغة

<<  <   >  >>