للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على التوحيد وهو ضعيف, فإنه للتوكيد فيستوي فيه الواحد والجمع". أقول: نفي المساواة بين الشيئين كقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: ٢٠] هل هو عام في الأمور التي يمكن نفيها أم لا؟ وفيه مذهبان أحدهما: أن مقتضاها في الإثبات هل هو المساواة من كل وجه أو من بعض الوجوه؟ فإن قلنا: من كل وجه, فلا يستوي ليس بعام بل نفي للبعض؛ لأن نقيض الموجبة الكلية سالبة جزئية، وإن قلنا: من بعض الوجوه فلا يستوي عام؛ لأن نقيض الموجبة الجزئية سالبة كلية، والصحيح عند أصحابنا القائلين بأن العموم له صيغة، أن هذه أيضا للعموم، وممن صححه الآمدي وابن برهان وابن الحاجب وتمسك بها جماعة على أن المسلم لا يقتل بالكافر؛ لأن القصاص مبني على المساواة، وخالف الإمام وأتباعه ومنهم المصنف، واحتجوا بأن نفي الاستواء أعم من كونه من كل الوجوه أو من بعضها بدليل صحة تقسيمه إليهما. والأعم لا يستلزم الأخص فحينئذ نفي الاستواء المطلق لا يستلزم نفي الاستواء من كل وجه. وهذا الدليل ضعيف؛ لأن الأعم إنما يدل على الأخص في طرف الإثبات، أما في طرف النفي فيدل؛ لأنه نفي الحقيقة، ويلزم من انتفاء الحقيقة والماهية انتفاء كل فرد؛ لأنه لو وجد منها فرد لكانت الماهية موجودة؛ ولهذا لو قال: ما رأيت حيوانا وقد رأى إنسانا, عد كاذبا أيضا؛ فلأن الأفعال نكرات والنكرة في سياق النفي تعم. قوله: "بخلاف لا آكل" اعلم أنه إذا حلف على الأكل وتلفظ بشيء معين كقوله مثلا: والله لا آكل التمر، أو لم يتلفظ به لكن أتى بمصدر ونوى به شيئا معينا كقوله: والله لا آكل فلا خلاف بين الشافعي وأبي حنيفة أنه لا يحنث بغيره، فإن لم يتلفظ بالمأكول ولم يأت بالمصدر ولكن خصصه بنيته، كما إذا نوى التمر بقوله: والله لا آكل، أو إن أكلت فعبدي حر، ففي تخصيص الحنث به مذهبان, منشؤهما أن هذا الكلام هل هو علم أم لا؟ وقد علمت بما ذكرناه أن صورة المسألة المختلفة فيها أن يكون فعلا متعديا لم يقيد بشيء كما صوره الغزالي في المستصفى، وأن يكون واقعا بعد النفي أو الشرط كما صوره ابن الحاجب واقتضاه كلام الآمدي، إذا علمت هذا فأحد المذهبين وهو مذهب أبي حنيفة أنه ليس بعام، وحينئذ فلا يقبل التخصيص بل يحنث به وبغيره؛ لأن التخصيص فرع العموم. والثاني وهو مذهب الشافعي: أنه عام؛ لأنه نكرة في سياق النفي أو الشرط فيعم؛ ولأن لا آكل يدل على نفي حقيقة الأكل الذي تضمنه الفعل، فلو لم ينتف بالنسبة إلى بعض المأكولات لم تكن حقيقته منتفية ولا معنى للعموم إلا ذلك، فإذا ثبت أنه عام فيقبل التخصيص واستدل المصنف عليه بالقياس على ما لو قال: لا آكل أكلا, فإن أبا حنيفة يسلم أنه قابل التخصيص بالنية كما تقدم، فكذلك لا آكل؛ لأن المصدر موجود فيه أيضا لكونه مشتقا منه, ومال في المحصول لمقالة أبي حنيفة فقال: إن نظره فيه دقيق، وفي المنتخب والحاصل: إنه الحق، وفرق أعني الإمام بأن لا آكل يتضمن المصدر, والمصدر إنما يدل على الماهية

<<  <   >  >>