للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من حيث هي والماهية من حيث هي لا تتعدد فيها فليست بعامة، وإذا انتفى العموم انتفى التخصيص فيحنث بالجميع. وأما أكل فليس بمصدر؛ لأنه يدل على التوحيد أي: على المرة الواحدة وحينئذ فيصح تفسير ذلك الواحد بالنية, فلهذا لا يحنث بغيره وهو ضعيف كما قاله المصنف, بل باطل لأن هذا مصدر مؤكد بلا نزاع والمصدر المؤكد يطلق على الواحد والجمع ولا يفيد فائدة زائدة على فائدة المؤكد, فلا فرق حينئذ بين الأول والثاني، ولو سلمنا أن لا آكل ليس بعام لكنه مطلق والمطلق يصح تقييدا اتفاقا, وقد انتصر الإمام لأبي حنيفة بشيء في غاية الفساد, فإنه بناه على أن أكلا ليس بمصدر وأنه للمرة الواحدة, وأن لا آكل ليس بعام، وأنه إذا لم يكن عاما لا يقبل التقييد. وقد تقدم بطلان الكل وبناء أيضا على أن تخصيصه ببعض الأزمنة أو الأمكنة لا يصح بالاتفاق، وهو باطل أيضا، فإن المعروف عندنا أنه إذا قال: والله لا آكل ونوى في مكان معين أو زمان معين أنه يصح وقد نص الشافعي على أنه لو قال: إن كلمت زيدا فأنت طالق ثم أردت التكليم شهرا أنه يصح. "فروع" حكاها الإمام أحدها: أن خطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِي} [الأحزاب: ٤٥] لا يتناول أمته على الصحيح، وظاهر كلام الشافعي في البويطي أنه يتناولهم. والثاني: أن خطاب الذكور الذي يمتاز عن خطاب الإناث بعلامة المسلمين وفعلوا لا يدخل فيه الإناث على الصحيح، ونقله القفال في الإشارة عن الشافعي، وكذلك ابن برهان في الوجيز. الثالث: لفظ كان لا يقتضي التكرار وقيل: يقتضيه. الرابع: إذا أمر جمعا بصيغة جمع كقوله: أكرموا زيدا أفاد الاستغراق. الخامس: خطاب المشافهة كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [الحجرات: ١٣] لا يتناول من يحدث بعدهم إلا بدليل منفصل. السادس: إذا لم يكن إجراء الكلام على ظاهره إلا بإضمار شيء وكان هناك أمور كثيرة يستقيم الكلام بإضمار كل منهما, لم يجز إضمار جميعها؛ لأن الإضمار على خلاف الأصل, وهذا هو المراد من قول الفقهاء: المقتضي لا عموم له, مثاله قوله -عليه الصلاة والسلام: "رفع عن أمتي الخطأ" ١ والتقدير: حكم الخطأ وذلك الحكم قد يكون في الدنيا كإيجاب الضمان، وقد يكون في الآخرة كرفع التأثيم، قال: وللخصم أن يقول: ليس أحدهما بأولى من الآخر فيضمونها جميعا. السابع: قول الصحابي مثلا: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر٢ وقضى بالشاهد واليمين، لا يفيد العموم؛ لأن الحجة في المحكي لا في الحكاية، والمحكي قد يكون خاصا، وكذا قوله: سمعته يقول: "قضيت بالشفعة للجار" لاحتمال كون الألف واللام للعهد قال: أما إذا كان منونا كقوله -عليه الصلاة والسلام: "قضيت بالشفعة لجار" وقول الراوي: "مضى بالشفعة لجار" فجانب العموم أرجح، واختار ابن الحاجب


١ أخرجه ابن حجر في فتح الباري "٥/ ١٦٠، ١٦١".
٢ أخرجه ابن حبان في صحيحه، رقم الحديث "٤٩، ٥١" جـ١١، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف "١٦١٤٩" وأحمد في مسنده "٢/ ٣٤٦".

<<  <   >  >>