للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أي: الاستنباط وهو ثلاثة الأول: العلة وقد جوز تخصيصها أي: جوزه بعضهم ومنعه الشافعي وجمهور المحققين كما قاله في المحصول في الكلام على الاستحسان، وإنما عبر بهذه العبارة لأن المسألة فيها مذاهب تأتي في القياس وهو المسمى هناك بالنقض مثاله العرايا "فإن الشارع نهى عن بيع الرطب بالتمر وعلله بالنقصان عند الجفاف" وهذه العلة موجودة في العرايا "هو بيع الرطب على رءوس النخل بالتمر على وجه الأرض" مع أن الشارع قد جوزه. الثاني: مفهوم الموافقة فيجوز تخصيصه بما عدا الملفوظ كقوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] فإنه يدل على تحريم التأفيف، وبالمفهوم على تحريم الضرب وسائر أنواع الأذى، وخص منه الحبس في حق دين الولد فإنه جائز على ما صححه الغزالي وطائفة, منهم المصنف في الغاية القصوى. فأما إذا أخرج الملفوظ به وهو التأفيف في مثالنا فإنه لا يكون تخصيصا بل نسخا للمفهوم، وهو معنى قوله بعد ذلك: نسخ الأصل يستلزم نسخ الفحوى وبالعكس. فإن قيل: حكمه هنا بأي إخراج الفحوى تخصيص لا نسخ للمنطوق معارض لما حكيناه عنه في النسخ. قلنا: إن كان الإخراج المعارض راجحا كردة الأب المقتضية لقتله ومطله المقتضي كان لحبسه تخصيصا لا ناسخا للمنطوق لأنه لا ينافي ما دل عليه من الحرمة وهذا هو المراد هنا، وإن لم يكن بل أورد ابتداء كان نسخا له لمنافاته إياه، وهذا هو المراد هناك. الثالث: مفهوم المخالفة فيجوز تخصيصه بدليل راجح على المفهوم؛ لأنه إن كان مساويا كان ترجيحا من غير مرجح، وإن كان مرجحا كان العمل به ممتنعا, هذا الشرط ذكره صاحب الحاصل والمصنف وأهمله الإمام وهو الصواب؛ لأن المخصص لا يشترط فيه الرجحان كما سيأتي أن فيه جمعا بين الدليلين مثاله قوله -عليه الصلاة والسلام: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا" ١ فإن مفهومه يدل على أنه يحمل الخبث فإذا لم يبلغ قلتين, وهذا المفهوم قد خص منه الجاري فإن القول القديم أنه لا ينجس إلا بالتغير، واختاره الغزالي وجماعة ومنهم المصنف في الغاية القصوى لقوله -صلى الله عليه وسلم: "خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء" ٢ الحديث, فإنه يدل بمنطوقه على عدم التنجيس والمنطوق أرجح من المفهوم. قوله: "قيل: يوهم البداء" اعلم أن من الناس من قال: إن التخصيص لا يجوز لأنه إن كان في الأوامر فإنه يوهم البداء، وإن كان في الأخبار فإنه يوهم الكذب, وهم محالان على الله تعالى، وإيهام المحال لا يجوز، والبداء بالدال المهملة والمد هو ظهور المصلحة بعد خفائها, قال الجوهري: وبدا له في هذا الأمر بداء, ممدود أي: نشأ له فيه رأي، والجواب أنه يندفع بالمخصص أي بالإرادة، أو بالدليل الدال على الإرادة، وذلك لأنا إذا علمنا أن اللفظ في الأصل يحتمل التخصيص فيقام الدليل على وقوعه مبينا للمراد، وإنما يلزم البداء


١ أخرجه الدارقطني في سننه "١/ ٢١"، "٢/ ٥٠٣".
٢ أخرجه العراقي في المغني عن حمل الأسفار "١/ ١٢٩" والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "٢/ ٣٣٢".

<<  <   >  >>