أو الكذب إن لو كان المخرج مرادا وكلام الإمام وأتباعه وابن الحاجب يقتضي أن الخلاف في الأمر والخبر وليس كذلك، بل في الخبر خاصة كما صرح به الآمدي وهو مقتضى كلام أبي الحسين في المعتمد والشيخ أبي إسحاق في شرح اللمع وغيرهم. قال:"الثالثة: يجوز التخصيص ما بقي غير محصور لسماجة "أكلت كل رمان" ولم يأكل غير واحدة، وجوز القفال إلى أقل المراتب، فيجوز في الجمع ما بقي ثلاثة، فإنه الأقل عند الشافعي وأبي حنيفة بدليل تفاوت الضمائر وتفصيل أهل اللغة، واثنان عند القاضي والأستاذ بدليل قوله تعالى:{وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ}[الأنبياء: ٧٨] فقيل: أضاف إلى المعمولين وقوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}[التحريم: ٤] فقيل: المراد به الميول وقوله عليه الصلاة والسلام: "الاثنان فما فوقهما جماعة" ١ فقيل: أراد جواز السفر وفي غيره إلى الواحد وقوم إلى الواحد مطلقا". أقول: اختلفوا في الضابط المقداري الذي لا بد من بقائه بعد التخصيص، فذهب أبو الحسين إلى أنه لا بد من بقاء جمع كثير سواء كان العام جمعا كالرجال أو غير جمع كمن وما إلى أن يستعمل ذلك العام في الواحد تعظيما له وإعلاما بأنه يجري مجرى الكثير كقوله تعالى:{فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ}[المرسلات: ٢٣] وهذا المذهب نقله الآمدي وابن الحاجب عن الأكثرين, واختاره الإمام وأتباعه, واختلفوا في تفسير هذا الكثير ففسره ابن الحاجب بأنه الذي يقرب من مدلوله قبل التخصيص، ومقتضى هذا أن يكون أكثر من مصنف وفسره المصنف بأن يكون غير محصور فقال: ما بقي غير محصور أي: ما بقي من المخرج عنه عدد غير محصور، وما ههنا مصدرية تقديرية يجوز التخصيص مدة بقاء عدد غير محصور من المخرج عنه، فإن كان محصورا فلا، والدليل عليه أنه لو قال: أكلت كل رمان في البيت ولم يأكل غير واحدة لكان ذلك مستهجنا في اللغة سمجا أي: قبيحا, قال الجوهري: سمج الشيء بالضم سماجة أي: قبح فهو سمج بإسكان الميم, كصعب فهو صعب وبكسرها كخشن بالشين المعجمة، فهو خشن وبزيادة الياء كقبح فهو قبيح، ولك أن تقول: قد جوز المصنف له على عشرة إلا تسعة كما سيأتي والاستثناء عنده من المخصصات المتصلة، فهذا التخصيص وأمثاله لم يبق فيه عدد غير محصور، وأيضا فهذا الدليل لا يحصل به المدعي؛ لأنه إنما ينفي الواحد فقط. والمذهب الثاني وهو رأي القفال الشاشي: أنه يجوز التخصيص إلى أن ينتهي إلى أقل المراتب التي ينطلق عليها ذلك اللفظ المخصوص مراعاة لمدلول الصيغة, وعلى هذا فيجوز التخصيص في الجمع كالرجال ونحوه إلى ثلاثة؛ لأنها أقل مراتب الجمع على الصحيح، كما سيأتي، وفي غير الجمع كمن ومال وإلى الواحد لأنه أقل مراتبه نحو: من يكرمني أكرمه، ويريد به شخصا واحدا وقد استطرد المصنف فأدخل بين هذا التفصيل مسألة مستقلة طويلة
١ أخرجه الزيلعي في نصب الراية "٢/ ١٩٨" والخطيب البغدادي في تاريخه "٨/ ٤١٥".