للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي الكلام على أقل الجمع، وقد ذكرها في المحصول في أثناء العموم. والمذهب الثالث: أنه يجوز التخصيص إلى الواحد مطلقا أي: سواء كان جمعا أم لا كقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: ١٧٣] والقائل نعيم بن مسعود الأشجعي، هكذا قال الآمدي وابن الحاجب وغيرهما, لكن رأيت في الرسالة للشافعي أن القائل هم الأربعة الذين تخلفوا عن أحد، وتوقف الآمدي في المسألة واختار ابن الحاجب تفصيلا لا يعرف لغيره, فقال: التخصيص إن كان بالمتصل نظرت فإن كان بالاستثناء نحو: أكرم الناس العلماء, أو الشرط نحو: أكرم الناس إن كانوا عالمين فيجوز إلى اثنين، وإن كان التخصيص بالمنفصل فإن كان في العام المحصور القليل فيجوز إلى اثنين, كما تقول: قتلت كل زنديق وكانوا ثلاثة، وقد قتلت اثنين، وإن كان غير محصور مثل: قتلت كل من في المدينة, أو محصورا كثيرا مثل: أكلت كل رمانة وقد كان ألفا فيجوز إذا كان الباقي قريبا من مدلول العام. قوله: "فإنه الأقل" هذه هي المسألة التي ذكرها استطرادا فنعود إلى شرحها فنقول: ذهب الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما إلى أن أقل الجمع ثلاثة, فإن أطلق على الاثنين أو على الواحد كان مجازا، واختاره الإمام والمصنف، وقال القاضي والأستاذ: أقله اثنان واختار ابن الحاجب في المختصر الكبير الأول، وأما في المختصر الصغير فكلامه أولا يقتضي اختيار الثاني، وفي الاستدلال يقتضي الأول، وهذان المذهبان حكاهما المصنف, وقيل: ينطبق أيضا على الواحد حقيقة، وقيل: لا ينطبق على الاثنين لا حقيقة ولا مجازا، حكاهما ابن الحاجب وتوقف الآمدي في المسألة، واستدل المصنف بوجهين, أحدهما: أن الضمائر متفاوتة أي: متخالفة؛ لأن ضمير المفرد غير بارز، وضمير المثنى ألف، وضمير الجمع واو نحو: افعل وافعلا وافعلوا، وحينئذ فنقول: اختلاف الضمير في التثنية والجمع يدل على اختلاف حقيقتهما, كما يدل على الاختلاف بين الواحد والجمع، وأيضا فلأنه لا يجوز وضع شيء منها مكان الآخر فلو كان أقل الجمع اثنين لجاز التعبير عنه بضمير الجمع وليس كذلك. الثاني: أن أهل اللغة فصلوا بينهما فقالوا: الاسم قد يكون مفردا، وقد يكون مثنى، وقد يكون مجموعا، وبين صفتيهما أيضا فقالوا: رجلان عاقلان، ورجال عاقلون, فدل على المغيرة. واعلم أن القائل بأن أقل الجمع اثنان يقول بالضرورة: إن الجمع أعم من المثنى؛ لأن كل مثنى جمع ولا ينعكس، ولا شك أن حقيقة الأعم غير حقيقة الأخص، فإن حقيقة الحيوان غير حقيقة الإنسان, فيكون حقيقة المثنى غير حقيقة الجمع عند الخصم، وهذا جواب واضح عن الدليل الثاني، وعن التقرير الأول من الدليل الأول، وأما على التقرير الثاني فيؤخذ منه أيضا؛ لأنا نقول: لما كان مغايرا جعلوا لكل واحد منهما شيئا يميزه. قوله: "بدليل قوله تعالى: {شَرَعَ} في أدلة الخصم القائل بأن أقله اثنان وهي ثلاثة, الأول: قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ}

<<  <   >  >>