للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الأنبياء: ٧٨] إلى قوله: {لِحُكْمِهِمْ} فلو لم يكن أقل الجمع اثنين لوجب أن يقال: لحكمهما، وجوابه أن الحكم مصدر, والمصدر يصح إضافته إلى معموليه أي الفاعل والمفعول وهما الحاكم والمحكوم عليه هنا، وحينئذ فيكون المراد داود وسليمان والخصمين هكذا أجاب الإمام، وهو جواب عجيب، فإن المصدر إنما يضاف إليهما على البدل، ولا يجوز أن يضاف إليهما معا، سمعت شيخنا أبا حيان يقول: سمعت شيخنا أبا جعفر بن الزبير يقول في هذا الجواب: إنه كلام من لم يعرف شيئا من علم العربية، وقد ذكر ابن الحاجب في المختصر الكبير هذا الاعتراض أيضا وتكلف تصحيحه بإخراج الحكم عن المصدرية إلى معنى الأمر، والمصنف كأنه استشعر ضعفه وضعف ما بعده من الأجوبه فعزاها إلى غيره, فإنه عبر عنها بقوله: فقيل على خلاف عادته. الثاني: قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] أطلق لفظ القلوب وأراد قلب عائشة وحفصة -رضي الله تعالى عنهما- وأجيب بأن اسم القلب يطلق حقيقة على الجرم الموضوع في الجانب الأيسر, ومجازا على الميل الموجود فيه كقولهم: ما لي إلى هذا قلب من باب إطلاق اسم المحل على الحال وهو المراد هنا، والتقدير: صغت ميولكما بدليل أن الجرم لا يوصف بالصغر حقيقة. واعلم أن هذا الدليل خارج عن محل النزاع فإن القاعدة النحوية أنك إذا أضفت الشيئين إلى ما يتضمنها نحو قطعت رءوس الكبشين، ويجوز فيه ثلاثة أوجه: الإفراد والتثنية والجمع بلا خلاف، ومحل الخلاف فيما عداه، وقد نبه عليه ابن الحاجب في المختصر الكبير. الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: "الاثنان فما فوقهما جماعة" رواه ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري والدارقطني عن عمرو بن شعيب، وأجاب في المحصول بأنه محمول على إدراك فضيلة الجماعة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام بعث لبيان الشرعيات لا لبيان اللغة، ثم قال: وقيل: إنه عليه الصلاة والسلام نهى عن السفر إلا في جماعة ثم بين بهذا الحديث أن الاثنين فما فوقهما جماعة في جواز السفر, واقتصر المصنف على الثاني وهو ضعيف؛ لأن السفر منفردا ليس بحرام بل هو جائز لكنه مكروه, وسلمنا أن مراده بالجواز عدم الكراهة لكنه لا يحصل بالاثنين، بل الجواب أن هذا استدلال على غير محل النزاع؛ لأن الخلاف ليس في لفظ الجمع ولا في لفظ الجماعة كما سيأتي عقبه. "فائدة": محل الخلاف مشكل؛ لأنه لا جائز أن يكون في صيغة الجمع التي هي الجيم والميم والعين، فإنه لا خلاف فيها كما قاله الآمدي وابن الحاجب في المختصر الكبير, قال: وإنما الخلاف في اللفظ المسمى بالجمع في اللغة كرجال ومسلمين وهم، وأما الجمع نفسه فهو ضم شيء إلى شيء وهو يطلق على الاثنين بلا خلاف، ولأنه لو كان كذلك لما أمكن إثبات الحكم لغيرها من الصيغ، وقد اتفقوا على ذلك ولا جائز أن يكون محل الخلاف صيغ الجمع؛ لأنها إن اقترنت بالألف واللام أو بالإضافة كانت للعموم كما تقدم، وإن لم تقترن به فإن كانت من

<<  <   >  >>