ولا الأكثر، فإن كان مستغرقا نحو: له علي عشرة إلا عشرة كان باطلا بالاتفاق كما نقله الإمام والآمدي وأتباعهما لإفضائه إلى اللغو، ونقل القرافي عن المدخل لابن طلحة أن في صحته قولين, وشرط الحنابلة أن لا يزيد المستثنى على نصف المستثنى منه بل يكون إما مساويا أو ناقصا، وشرط القاضي أي: في القول الأخير من أقواله كما قاله الآمدي وغيره أن يكون ناقصا عن النصف. واعلم أن الآمدي وابن الحاجب نقلا عن الحنابلة امتناع المساوي أيضا على عكس ما قاله المصنف، ولم يتعرض الإمام ولا مختصرو كلامه النقل عنهم، واستدل المصنف بأمرين أحدهما وهو دليل على القاضي والحنابلة معا: أنه لو قال قائل: علي عشرة إلا تسعة لكان يلزمه واحد بإجماع الفقهاء فدل على صحته، قال الآمدي: وهذا الاستدلال خطأ فإن هذا الاستثناء عند الخصم بمثابة الاستثناء المستغرق، وإنما يقول بلزوم الواحد من يقول بصحة الاستثناء الأكثر. الثاني وهو دليل على القاضي خاصة استثناء {الْغَاوِينَ} من المخلصين في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}[الحجر: ٤٢] وبالعكس أي: استثناء {الْمُخْلَصِينَ} من الغاوين في قوله تعالى حكاية عن إبليس: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[الحجر: ٣٩, ٤٠] ووجه الاستدلال أن الفريقين إن استويا فإنه يدل على جواز استثناء النصف وإن كان أحدهما أكثر فكذلك أيضا؛ لأنه لما استثنى كلا منهما فقد استثنى الأكثر فدل على جواز النصف بطريق الأولى. وهذا لا يرد على الحنابلة لاحتمال أن يكونا متساويين وهم يجوزون استثناء المساوي على مقتضى نقل المصنف، وفي هذا الاستدلال نظر من ثلاثة أوجه أحدها: أن للخصم أن يقول: إن قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي} الآية يدل على أن الغاوين أقل من غير الغاوين أي: أقل من العباد الذين لا سلطان عليهم لإبليس وليس فيها تعرض لكونهم أقل من المخلصين حتى يكون على العكس من الآية الثانية, وإنما يلزم ذلك إذا كان المخلصون هم غير الغاوين أي: الذين لا سلطان عليهم ولم يقيموا عليه دليلا، ونحن لا نسلمه لجواز أن يكون غير الغاوين أعم من المخلصين، بل تنازع فنقول: هذا هو الظاهر؛ لأنه لا يلزم من انتفاء سلطنة إبليس التي هي القهر والغلبة عن شخص أن يرتقي إلى درجة الإخلاص, ويدل عليه أحوال كثير من الناس وحينئذ فيكون قوله تعالى:{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ} الآية دليلا على أن المخلصين أقل من الغاوين, وقوله تعالى:{إِنَّ عِبَادِي} الآية دليلا على أن الغاوين أقل من غير الغاوين وهم الذين ليس عليهم سلطان, وعلى هذا فكل من الآيتين ليس فيها إلا استثناء الأقل وقد تمسك ابن الحاجب بقوله تعالى:{إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} الآية ثم استدل على أن الغاوين أكثر بقوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}[يوسف: ١٠٣] ولم يذكر الآية الثانية فسلم من هذا الاعتراض لكنه لا يتم من وجه آخر, فقد يقال: إن قوله تعالى: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} يدل على أن الغاوين من بني آدم مطلقا أقل من غيرهم