للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن الكلام مع إبليس كان في نسل بني آدم جميعهم, وقوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ} الآية إنما يدل على الأكثرين من الذين بعث إليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم الموجودون من حيث بعثه إلى قيام الساعة, والألف واللام في {النَّاسِ} للعهد وحينئذ فلا يلزم كون الغاوين أكثر من هذه الطائفة أن يكونوا أكثر بالنسبة إلى كل الطوائف من لدن آدم إلى قيام الساعة. الثاني: سلمنا أن قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي} يدل على استثناء "الغاوين من المخلصين" لكن قوله تعالى: {فَبِعِزَّتِكَ} الآية إنما يدل على استثناء المخلصين من الذين أقسم إبليس على أن يغويهم لا من الغاوين وهم الذين حصلت لهم الغواية، وعلى هذا يكون الغاوون أقل من المخلصين كما دلت عليه الآية الأولى والمخلصون أقل من المقسم على إغوائهم كما دلت عليه الآية الثانية، فيكون المستثنى في الآيتين إنما هو الأقل الثالث: قال الآمدي للخصم أن يقول إنما يمتنع استثناء الأكثر إذا كان عدد المستثنى والمستثنى منه مصرحا بهما فإن لم يكن نحو: جاء بنو تميم إلا الأرذال منهم فإنه يصح من غير استقباح، وإن كانت الأرذال أكثر، وهذه الآية كذلك. قوله: "قال: الأقل" أي: قال القاضي: لا شك أن الاستثناء خلاف الأصل فإنه بمنزلة الإنكار لقلة الإقرار، ولكن خالفنا هذا الأصل في الأقل وجوزنا استدراكه بالاستثناء؛ لأنه قد يستثنى لقلة التفات النفس إليه، وهذا المعنى مفقود في المساوي والأكثر، وأجاب المصنف تبعا للحاصل بأنه منقوض بما ذكرنا، أي: من استثناء الغاوين من المخلصين وبالعكس أو من الإجماع المتقدم في المقر فإن الحكم موجود مع انتفاء العلة وهي القلة والذي أجاب به في المحصول أن الاستثناء والمستثنى منه كاللفظ الواحد الدال على ذلك القدر فلا يرد ما قالوه، وهذا الذي أشار إليه فيه ثلاثة مذاهب أحدها ما يقتضيه كلامه وهو مذهب القاضي: أن عشرة إلا ثلاثة مثلا اسم مركب مرادف لسبعة. والثاني ونقله ابن الحاجب عن الأكثرين: أن المراد أيضا سبعة كما قال الأول ولكن لا يقول: إن المجموع اسم لها بل إلا قرينة مبينة لذلك كسائر المخصصات. الثالث وهو الصحيح عند ابن الحاجب: أن المراد بالعشرة جميع أفرادها من غير حكم عليها ثم حكم بالإسناد بعد إخراج الثلاثة فيكون الإسناد إلى سبعة, ولم يتعرض المصنف لشبهة الحنابلة لأنها كشبهة القاضي. قال: "الثانية: الاستثناء من الإثبات نفي وبالعكس خلافا لأبي حنيفة. لنا لو لم يكن كذلك لم يكف لا إله إلا الله احتج بقوله -عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة إلا بطهور" ١ قلنا للمبالغة. الثالثة: المتعددة إن تعاطفت أو استغرق الأخير الأول عادت إلى المتقدم عليها وإلا يعود الثاني إلى الأول لأنه أقرب". أقول: الاستثناء من الإثبات نفي نحو: قام القوم إلا زيدا يكون نفيا للقيام من زيد بالاتفاق كما قاله الإمام في المعالم وصاحب الحاصل, وأما الاستثناء من النفي نحو: ما قام أحد إلا


١ أخرجه الدارقطني في سننه بلفظ: $"لا صلاة إلا بوضوء" "١/ ٧٣"، والزيلعي في نصب الراية "١/ ٥".

<<  <   >  >>